السبت، 16 أكتوبر 2010

ومِنَ الحُبِ ما لوَّث البيئة...


في طريقي لزيارة أحد المشاريع الهندسية التي أشرف عليها والذي يقع خارج مسقط، عرجت على مكتب (الحجر الزراعي والحيواني)، والذي يقع بجانب مبنى القادمين في مطار مسقط الدولي، كنت قد قطعت وعدا لزميلي الهندي – الذي سيتقاعد قريبا- أن أسأل عن الإجراءات المتبعة لنقل شجرة نخيل كان يود حملها من عمان ليزرعها في وطنه، قابلت أحد الموظفين وبدأ يخبرني بالإجراءات والتصاريح اللازمة، كما أخبرني أن هناك كثير من الدول – مثل سلطنة عمان - لا تسمح بأدخال أي نبات لأراضيها إلا بتصريح خاص ودراسة وفحص من الجهات المختصة في الدولة كوزارة الزراعة مثلا، وذلك حرصا على أمنها البيئي، فتذكرت قصّة مثيرة كنتُ سمعتُها قبل فترة قصيرة...

٭٭٭

يُحكى أنَّ مهندساً أوروبياً شاباً ذهب للعمل في أوغندا في ثمانينات القرن العشرين، ويحدث أن يلتقي المهندس الشاب بفتاة أوغندية جميلة كتمثال من الأبنوس، فقط ليقع في حبها ويتزوجها، وخلال عودته إلى أوغندا من احدى رحلاته لأمريكا الجنوبية يجلب المهندس الشاب هدية لزوجته الحسناء، كانت الهدية عبارة عن أصيص يحتوي على نبته بها ورود أرجوانية غاية في الجمال تعرف بالمتكحلات المائية (Water Hyacinth)، بعد فترة وجيزة من هذه الأحداث وبطريقة ما، إستطاعت المتكحلات المائية أن تصل إلى النهر، وتسبح فيه حتى تصل إلى بحيرة فكتوريا، حيث بدأت تكاثرها الكثيف على سطح البحيرة مسببه أحد أكبر الكوارث البيئية والأقصادية والصحية في المنطقة.

٭٭٭

تعيش المتكحلات المائية على هيئة مجموعات كبيرة، وتنتشر على سطح الماء بفضل جذورها الطويلة العائمة، عندما تنظرللمتكحلات المائية تجدها جميلة وفاتنة بفضل ورودها الأرجوانية اللون.

سبَّبَ تكاثر المتكحلات المائية غيرُ الطبيعي في بحيرة فكتوريا إلى شلْ حركة الملاحة في البحيرة، مما نجم صعوبة إبحار الصيادين والهجرة الفورية للأسماك، وبالتالي قلَّ الصيد، وقلَّ دخل الصيادين فتفاقمت المجاعة، كما أصبحت هذه النبته مكاننا محببا لعيش الحلزونات المؤذية التي تنقل مرض البلهارسيا، والبعوض والحشرات الذي ينقل الملاريا والحساسية الجلدية والسعال والإضرابات المعوية، كما اصبحت هذه النبتة الشيطانية مكانا ملائما لتكاثر الحيّات الخطرة، وتسببت المتكحلات المائية أيضا في عرقلة عمل المولدلت الكهربائية فقلَّ أنتاجها للطاقة الكهربائية، كما أعاقت أيضا عملية تنقية المياة، بل أنها أستطاعت أن تغير نسبة الرطوبة في الهواء والتالي تمكنت أن تؤثر على النظام البيئي بأكملة.

كعادة دول العالم الثالث، وخصوصا الدول الأفريقية الفقيرة كأوغندا والتي يستشري فيها الفساد بأكثر مما تستشري المتكحلات المائية على سطح بحيرة فكتوريا، تفاقمت هذه الكارثة البيئية بسبب الأهمال، مما أضطر بعض المنظمات البيئية الدولية وهيئات الأمم المتحدة للتدخل ورصد ميزانية ضخمة لإيجاد حل لهذه المأساة المتمثلة في هذه النبتة الحسناء اللَّعوب القاتلة، وبعد سلسلة من الأبحاث توصل العلماء إلى حشرة برازيلية تعتبر العدو الطبيعي اللدود للمتكحلات االمائية، وبعد إطلاق هذه الحشرة بخمس سنوات قلّ إنتشار المتكحلات المائية على سطح بحيرة فكتوريا، كما قلّ تلوثها بالطفيليات ومسببات الأمراض، ولاح فجرُ أملٍ جديد للصيادين الأفارقة البُؤساء.

٭٭٭

بعيدا عن بحيرة فكتوريا وكارثة المتكحلات المائية، أبتسم المسافر القادم من شرق آسيا وهو يدخل قاعة القادمين في مطار مسقط الدولي، بعد أن أجتاز موظفي الجمارك دون أن يستوقفوه، كان قلبه يرقص طربا وسعادة بنجاحة في إدخال تلك البذور للسلطنة، وكان يتطلع شوقا لبدأ إستنباتها في مشتله الصغير، ولكنه لم يكن يعلم بأمر تلك البويضات الملتصقة ببعض البذور، البويضات التي تحمل يرقات حشرة شيطانية، ولو كان يعلم بأمرها لما أبتسم أبدا، ولما رقص قلبه طربا وسعادة..........

٭٭٭

المصدر:

National Geographic Channel Abu Dhabi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية