الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الاحترار العالمي ومستقبل الطاقة المتجددة...


غارقا في العمل وسط خرائطي، وأوراقي، وحساباتي، وأنا منهمك في تصميم الخدمات الميكانيكية لذلك المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي سيكون وحشا يمتص الطاقة الكهربائية إمتصاصا، بعد أن فشلت في إقناع المالك بتبني نظام تكييف عالي الكفاءة، ولكنه عالي التكلِّفة المبدئية نوعا ما، أتذكر مجموعة من المعلومات والمقالات - التي إطلعت عليها بحكم عملي كمصمم لأنظمة التكييف والتهوية - حول موضوعيْ الاحترار العالمي (Global Warming) والطاقة المتجددة (Renewable Energy)...

٭٭٭

كثر الحديث في الأعوام القليلة الماضية عن ظاهرة الاحترار العالمي ككارثة بيئية مستقبلية تؤدي إلى تغير المناخ نتيجة أنبعاث الغازات الدفيئة، كما كثر الحديث عن محاولة العلماء إيجاد حلول ناجحة لهذه المشكلة البيئية وتتلخص في معظمها حول محاولة التقليل من إنبعاث الغازات الدفيئة عن طريق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة كمساقط المياه، والرياح، وأشعة الشمس، ومحاولة تصميم المدن التي تخلوا تماما من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون...

ونستطيع القول أن موضوع الاحترار العالمي هو موضوع الساعة الآن، لما له من تأثير مباشر على جميع الكائنات الحية على كوكب الأرض، بل على وجود الأنسان ذاته، مما يستدعي أن نفكر في حلول جذرية كأستعمال مصادر الطاقة المتجدة للتقليل من أنبعاث الغازات الدفيئة المسببة لهذه الظاهرة، وهناك قلق كبير لدى معظم الحكومات والمؤسسات العلمية أن ظاهرة الاحترار العالمي ستؤدي لتغيرات مناخية لا يمكن عكسها أو أصلاحها مستقبلا، فمثلا أرتفاع درجة الحرارة يؤدي لذوبان الثلوج في القطبين مما يؤدي لأرتفاع مستوى سطح البحر وغرق الأراضي الساحلية، وربما لا نستطيع عكس هذا التأثير مستقبلا...

قد يقول قائل: ولكن ما الذي يضيرنا – ونحن نملك في عُمان الكثير من الأراضي غير المأهولة - إن غمر البحر أراضي بعض الدول وخصوصا دول العالم الغربي الصناعي التي تساهم بشكل كبير في أطلاق الغازات الدفيئة والمتسببة في الاحترار العالمي؟

قد يبدو السؤال مستفزا بعض الشىء ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالمشكلة أصبحت عالمية، فظاهرة تغير المناخ بفعل الاحترار العالمي باتت تشكل تحديا وتهديدا للبشرية، حيث أنها ستتسبب بكوارث مناخية واقتصادية واجتماعية حول الكرة الأرضية وسأذكر الظواهر التالية على سبيل المثال لا الحصر حتى ندرك أبعاد هذه الكارثة البيئية: ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تواتر وشدة موجات الحر والفيضانات والجفاف، وقد تكون هناك أيضاً عواقب خطيرة مباشرة على صحة الإنسان، وأبرز هذه العواقب ارتفاع معدلات المرض والوفاة نتيجة لموجات الحر، والفيضانات، والجفاف، وفي بعض البلدان الأفريقية على سبيل المثال قد تنحدر إنتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى 50% بحلول عام 2020 مما يهدد ملايين البشر بالموت جوعا، كما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة ندرة المياه، والدول الصغيرة القائمة على جزر كجزر المالديف، أصبحت أيضاً معرضة للخطر الشديد من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد بمشكلة عالمية سببها ملايين اللاجئين البيئيين، أيضا لاحظ العلماء مؤخرا تغير أنماط التيارات البحرية، ومن أشهر التيارات البحرية ما يسمى بـ "تيار الخليج" الذي يتحرك من المحيط الأطلسي شمالا بين جزيرتي جرينلاند وبريطانيا حتى شمال أوروبا، والذي يؤمن لأوروبا مناخا معتدلا نسبيا، وإذا توقف هذا التيار البحري فأن شمال أوروبا سيعاني من عصر جليدي آخر، أيضا العواصف المدارية في المحيط الهندي ستكون أكثر تواترا مما يهدد بعض الدول المطلة على هذا المحيط (مثل سلطنة عمان) بتواتر "الأنواء المناخية" في فترات قصيرة نسبيا.

قد يجادل آخر قائلا: ولكن ما نسبة ما ننتجة في سلطنة عُمان سنويا من الغازات الدفيئة مقارنة بما تنتجة الولايات المتحدة - على سبيل المثال - سنويا؟ لا أعتقد أن هناك وجها للمقارنة، وبالتالي تقليلنا لأنبعاث الغازات الدفيئة لا أعتقد أنه يحدث فرقا...

وأقول بأن إنتاج الغازات الدفيئة يقاس أحيانا بالنسبة لعدد السكان، ولو قارنا إنتاج الغازات الدفيئة في سلطنة عُمان بالنسبة لعدد السكان، لوجدناه أكبر من أنتاج الولايات المتحدة بالنسبة لعدد السكان، وهذا نتيجة طبيعية لرخص أسعار الوقود والطاقة الكهربائية في هذا الجزء من العالم مقارنة بدول أوروبا وأمريكا، وعدم إستعمال مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وأيضا عدم تصميم المباني بطريقة تجعلها تستهلك طاقة أقل في عمليات التكييف والتهوية والإضاءة...

أتذكر مقالا قرأته في احدى الدوريات المتخصصة في هندسة التكييف والتبريد التي تصدرها الجمعية الأمريكية لهندسة التدفئة والتكييف والتبريد (ASHRAE) بعنوان "الأبراج الخاطئة: جميلة ولكن ليست جيدة"، يتحدث فيه الكاتب عن مبنى برج العرب الشهير في دبي، وكيف أنه يُعتبر من أجمل المباني في العالم، ولكنه يستهلك الكثير من الطاقة لتكييفه وتهويته، الأمر الذي كان يمكن تجنبه تماما عن طريق تصميمه بطريقة صديقة للبيئة تجعله يستهلك طاقة أقل بكثير...

ولكن دعونا نتسائل عن أهمية البحث عن مصادر بديلة للطاقة بالنسبة لدول مصدرة للنفط والغاز كدول الخليج العربي؟

أعتقد أن جميع الدول - بترولية أو غير بترولية - ستستفيد من الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، فالدول البترولية تستطيع الاستفادة من بترولها لمدى أطول، أو تصديره عوضا عن استهلاكه محليا لتوليد الطاقة الكهربائية، أما الدول غير البترولية فستستفيد عن طريق وجود مصدر بديل للطاقة مما يوفر عليها الأموال اللازمة لاستيراد النفط، كما أن النفط والغاز مصدران غير متجددان وسيأتي يوم ما وسينفدان، ولابد أن تستعد الدول البترولية - وخصوصا دول الخليج العربي - لهذا اليوم...

وبمناسبة الحديث عن هذه النقطة فبالرغم أن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة نفطية، وتمتلك احتياطات نفطية كبيرة إلا أنها تسعى بجد واجتهاد إلى إيجاد مصادر بديلة ودائمة للطاقة وذلك حفاظا على صحة الإنسان، وحماية للبيئة، وللحصول على الطاقة النظيفة بأسعار أقل بكثير من أسعار النفط والغاز الحالية...

أيضا تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا بإنشاء مدينة (مصدر) بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، وستكون هذه المدينة خالية تماما من الكربون (Carbon Free)، وبلا إي انبعاث للغازات الدفيئة المسببة للإحترار العالمي، كما قامت الإمارات بإنشاء "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا"، حيث يعتبر كجامعة مستقلة للأبحاث المتخصصة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة...

هناك خيار آخر أمام الدول الخليجية إذا ما رغبت بتقليل اعتمادها على النفط والغاز كمصدرين وحيدين للطاقة وبالتالي الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، أَلا وهو الطاقة الذرية، كما هو التوجه لدى بعض الدول الخليجية ومنها سلطنة عُمان، إلا أنَّ الطاقة الذرية غالية، ومكلفة، وإلى الآن لا يوجد حل جذري وآمن للتخلص من النفايات النووية، كما أنَّ استعمال طاقة الرياح يعتبر أقل تكلفة من الطاقة النووية، شريطة أنْ يكون هناك رياح كافية بالطبع...

وكمثال عن مشاريع الطاقة المتجددة في عالمنا العربي، تعتبر التجربة المصرية تجربة سبَّاقة في مجال الطاقة المتجددة، حيث استثمرت مصر الكثير من المال في مشروع ضخم في الصحراء الغربية لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق قوة الرياح باستعمال التربينات الهوائية، حيث يُتوقع أن يصل إنتاج هذا المشروع إلى 20% من الاحتياجات المصرية المحلية للكهرباء بحلول عام 2020 (يتضمن هذا الرقم أيضا بعض الطاقة التي سيتم توليدها عن طريق الطاقة الشمسية والمياه).

من الضروري أن نتبنى حلولا صديقة للبيئة ونحن نصمم مبانينا ومدننا ومنشآتنا، ومن الضروري أن يكون لدينا إستراتيجية واضحة تهدف إلى إنتاج طاقة نظيفة بنسبة معينة من أجمالي استهلاكنا للكهرباء، ومن الضروري أن نبدأ الآن في الأستثمار في مجال الطاقة المتجددة ما دمنا نملك المال اللازم، فأستثمارنا في هذا المجال سيزودنا بالتكنولوجيا والخبرات اللازمة - والتي ستتراكم مع مرور الوقت - والتي قد نصدرها يوما ما لدول أخرى، كما نصدر الآن النفط والغاز لدول العالم، وإلا فأنني أعتقد انه لو نفد النفط والغاز لرجعنا سنوات إلى الوراء، ولما وجدت مدننا الطاقة اللازمة لإنارتها...

٭٭٭

أفقت من خواطري وذكرياتي وأنا أتأمل خرائط المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي فشلت في أن أصمم أنظمته الميكانيكية بحيث أجعل منه صديقا للبيئة، ونجحت بأن أجعل منه وحشا شرها يمتص الطاقة الكهربائية، ويمتص مناخنا، بل أنه يمتص حياتنا ومستقبلنا ذاته...

٭٭٭

هناك تعليقان (2):

  1. دول مجلس التعاون الخليجى و الأردن ضحية عملية نصب عالمية!

    وقعت كل من السعودية وقطر على بروتوكولات تعاون فرنسي نووي، والمباحثات جارية مع كل من عمان والكويت، كما دخلت روسيا على البحرين لأقامة مفاعلات نووية فى دول مجلس التعاون الخليجى . أما الأمارات فقد وقعت عقدا مع كوريا الجنوبية لأقامة 4 مفاعلات نووية قيمته 20 مليار دولار أمريكى . و تسعى الأردن لأنشاء مفاعلات نووية بالأردن بحجة توليد الكهرباء و تحلية مياة البحر!!!

    الطاقة النووية السلمية أصبح موضوع قديم عفى عليه الزمن ومحفوف بالمخاطرومعظم الدول المتقدمة بدأت تستعمل بدائل أخرى سلمية للطاقة أقل تكلفة وأقل خطرا وتحقق نفس النتائج .. فلماذا لانبدأ من حيث انتهى الأخرون؟ لماذا نشترى دائما التكنولوجيا القديمة سواء فى المجال العسكرى أو السلمى؟

    ايطاليا والمانيا يعتبران من أكبر الدول الصناعية فى العالم .. الأولى لا تستخدم الطاقة النووية والثانية ستتوقف عن انتاجها واستخدامها فى سنة 2020 وحاليا تستورد الطاقة الشمسية من أسبانيا وفى المستقبل القريب من الجزائر.

    دول الخليج و الأردن يستطيعون تغطية كل احتياجاتهم الكهربائيه وكذلك تحلية مياه البحر من الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و أستغلال النفايات فى أنتاج الطاقة والفائض يمكن تصديره .

    هناك 5 مقالات هامة عن هذا الموضوع و هى النووى كمان و كمان ـ كارت أحمر ـ كارت أخضر ـ الأشعة الذهبية - ألوان‏.

    دول الخليج و الأردن تحتاج إيضا لمحطات تنقية مياة الصرف الصحى و الزراعى لأعادة تدويرها و الأستفادة منها و هذا الموضوع بالتفصيل فى مقال صراع فى الوادى.

    الأمارات و قطر و الكويت معرضة أجزاء منها للغرق فى الخليج نتيجة أرتفاع مستوى سطح البحر و هذا الموضوع متناول بالتفصيل فى مقال الحل أسمه هولندا.
    و لا يفوتك مشاهدة حديث هام للدكتور فاروق الباز و رابطه موجود فى أسفل مقال الحل أسمه هولندا.

    لمزيد من التفاصيل أذهب مقالات ثقافة الهزيمة بالرابط التالى www.ouregypt.us

    ردحذف

بحث هذه المدونة الإلكترونية