الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الأربعاء... والنَّهر المُتجمد...


صباح الورد يا أصدقائي الأعزاء... الأربعاء ونهاية هذا الأسبوع المتعب والمرهق والبائس والذي وددت لو أنّه طال قليلا لأنجز كل ما خططت لإنجازة... الأربعاء والذي إخترته ليكون اليوم المنشود لتسليم مخططات ومواصفات أحد المشاريع الهندسية التي أقوم بتصميمها، ولكن مازال الأربعاء طفلا يا أصدقاء ونستطيع إنجاز الكثير...

إلى كل محبي ليالي الشتاء الساحرة وأنا منهم، و إلى كل من تعطّلت سخاناتهم وأضطروا للإستحمام بمياة باردة هذا الصباح وأنا منهم، وإلى كل المتعبين من هذا الأسبوع الشاق ويحلمون ببعض الراحة والسلام الأسبوع القادم وأنا كذلك منهم، وإلى جميع من يجترّون ذكريات الماضي الجميلة والتي لن تعود أبدأ وأنا لستُ منهم، أهدي قصيدة "النهر المتجمد" للمفكر والشاعر والقاص الكبير "ميخائيل نُعيمة"، والذي كتبها إبان دراسته للأدب الروسي في أوكرانيا، حيث كان الشاعر يشعر بالغربة ويحن إلى حضن الوطن الدافىء وإلى أيام الشباب الجميلة التي لن تعود، فيخاطب الشاعر النهر المتجمد ويشبه نفسه به، غير أن النهر المتجمد سرعان ما يذوب ويعود شابا يجري بين الحقول، بينما من المستحيل أن يعود شباب الشاعر ومن المستحيل أن تعود ذكرياته الجميلة مرة أخرى...

مرت أكثر من خمسة عشر عاما منذ قرأت هذه القصيدة لأول مرة ولكنها لا تزال عالقة بالذاكرة...

أتمنى أن تستمتعوا بقرائتها يا أصدقائي...

٭٭٭

يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟

أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟

بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور

تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور

بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق

واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق

بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي

واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي

بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي

تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !

ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد

قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟

ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال

يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال

والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ

لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ

تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا

فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى

وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء

جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء

لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع

فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع

وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار

حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار

وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم

وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم

والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن

والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن

والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن

ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن

وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب

فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب

قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج

حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج

قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل

واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل

فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها

وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها

سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء

سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء

نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد

فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد

وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ

وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ

يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا

والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الاحترار العالمي ومستقبل الطاقة المتجددة...


غارقا في العمل وسط خرائطي، وأوراقي، وحساباتي، وأنا منهمك في تصميم الخدمات الميكانيكية لذلك المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي سيكون وحشا يمتص الطاقة الكهربائية إمتصاصا، بعد أن فشلت في إقناع المالك بتبني نظام تكييف عالي الكفاءة، ولكنه عالي التكلِّفة المبدئية نوعا ما، أتذكر مجموعة من المعلومات والمقالات - التي إطلعت عليها بحكم عملي كمصمم لأنظمة التكييف والتهوية - حول موضوعيْ الاحترار العالمي (Global Warming) والطاقة المتجددة (Renewable Energy)...

٭٭٭

كثر الحديث في الأعوام القليلة الماضية عن ظاهرة الاحترار العالمي ككارثة بيئية مستقبلية تؤدي إلى تغير المناخ نتيجة أنبعاث الغازات الدفيئة، كما كثر الحديث عن محاولة العلماء إيجاد حلول ناجحة لهذه المشكلة البيئية وتتلخص في معظمها حول محاولة التقليل من إنبعاث الغازات الدفيئة عن طريق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة كمساقط المياه، والرياح، وأشعة الشمس، ومحاولة تصميم المدن التي تخلوا تماما من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون...

ونستطيع القول أن موضوع الاحترار العالمي هو موضوع الساعة الآن، لما له من تأثير مباشر على جميع الكائنات الحية على كوكب الأرض، بل على وجود الأنسان ذاته، مما يستدعي أن نفكر في حلول جذرية كأستعمال مصادر الطاقة المتجدة للتقليل من أنبعاث الغازات الدفيئة المسببة لهذه الظاهرة، وهناك قلق كبير لدى معظم الحكومات والمؤسسات العلمية أن ظاهرة الاحترار العالمي ستؤدي لتغيرات مناخية لا يمكن عكسها أو أصلاحها مستقبلا، فمثلا أرتفاع درجة الحرارة يؤدي لذوبان الثلوج في القطبين مما يؤدي لأرتفاع مستوى سطح البحر وغرق الأراضي الساحلية، وربما لا نستطيع عكس هذا التأثير مستقبلا...

قد يقول قائل: ولكن ما الذي يضيرنا – ونحن نملك في عُمان الكثير من الأراضي غير المأهولة - إن غمر البحر أراضي بعض الدول وخصوصا دول العالم الغربي الصناعي التي تساهم بشكل كبير في أطلاق الغازات الدفيئة والمتسببة في الاحترار العالمي؟

قد يبدو السؤال مستفزا بعض الشىء ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالمشكلة أصبحت عالمية، فظاهرة تغير المناخ بفعل الاحترار العالمي باتت تشكل تحديا وتهديدا للبشرية، حيث أنها ستتسبب بكوارث مناخية واقتصادية واجتماعية حول الكرة الأرضية وسأذكر الظواهر التالية على سبيل المثال لا الحصر حتى ندرك أبعاد هذه الكارثة البيئية: ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تواتر وشدة موجات الحر والفيضانات والجفاف، وقد تكون هناك أيضاً عواقب خطيرة مباشرة على صحة الإنسان، وأبرز هذه العواقب ارتفاع معدلات المرض والوفاة نتيجة لموجات الحر، والفيضانات، والجفاف، وفي بعض البلدان الأفريقية على سبيل المثال قد تنحدر إنتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى 50% بحلول عام 2020 مما يهدد ملايين البشر بالموت جوعا، كما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة ندرة المياه، والدول الصغيرة القائمة على جزر كجزر المالديف، أصبحت أيضاً معرضة للخطر الشديد من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد بمشكلة عالمية سببها ملايين اللاجئين البيئيين، أيضا لاحظ العلماء مؤخرا تغير أنماط التيارات البحرية، ومن أشهر التيارات البحرية ما يسمى بـ "تيار الخليج" الذي يتحرك من المحيط الأطلسي شمالا بين جزيرتي جرينلاند وبريطانيا حتى شمال أوروبا، والذي يؤمن لأوروبا مناخا معتدلا نسبيا، وإذا توقف هذا التيار البحري فأن شمال أوروبا سيعاني من عصر جليدي آخر، أيضا العواصف المدارية في المحيط الهندي ستكون أكثر تواترا مما يهدد بعض الدول المطلة على هذا المحيط (مثل سلطنة عمان) بتواتر "الأنواء المناخية" في فترات قصيرة نسبيا.

قد يجادل آخر قائلا: ولكن ما نسبة ما ننتجة في سلطنة عُمان سنويا من الغازات الدفيئة مقارنة بما تنتجة الولايات المتحدة - على سبيل المثال - سنويا؟ لا أعتقد أن هناك وجها للمقارنة، وبالتالي تقليلنا لأنبعاث الغازات الدفيئة لا أعتقد أنه يحدث فرقا...

وأقول بأن إنتاج الغازات الدفيئة يقاس أحيانا بالنسبة لعدد السكان، ولو قارنا إنتاج الغازات الدفيئة في سلطنة عُمان بالنسبة لعدد السكان، لوجدناه أكبر من أنتاج الولايات المتحدة بالنسبة لعدد السكان، وهذا نتيجة طبيعية لرخص أسعار الوقود والطاقة الكهربائية في هذا الجزء من العالم مقارنة بدول أوروبا وأمريكا، وعدم إستعمال مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وأيضا عدم تصميم المباني بطريقة تجعلها تستهلك طاقة أقل في عمليات التكييف والتهوية والإضاءة...

أتذكر مقالا قرأته في احدى الدوريات المتخصصة في هندسة التكييف والتبريد التي تصدرها الجمعية الأمريكية لهندسة التدفئة والتكييف والتبريد (ASHRAE) بعنوان "الأبراج الخاطئة: جميلة ولكن ليست جيدة"، يتحدث فيه الكاتب عن مبنى برج العرب الشهير في دبي، وكيف أنه يُعتبر من أجمل المباني في العالم، ولكنه يستهلك الكثير من الطاقة لتكييفه وتهويته، الأمر الذي كان يمكن تجنبه تماما عن طريق تصميمه بطريقة صديقة للبيئة تجعله يستهلك طاقة أقل بكثير...

ولكن دعونا نتسائل عن أهمية البحث عن مصادر بديلة للطاقة بالنسبة لدول مصدرة للنفط والغاز كدول الخليج العربي؟

أعتقد أن جميع الدول - بترولية أو غير بترولية - ستستفيد من الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، فالدول البترولية تستطيع الاستفادة من بترولها لمدى أطول، أو تصديره عوضا عن استهلاكه محليا لتوليد الطاقة الكهربائية، أما الدول غير البترولية فستستفيد عن طريق وجود مصدر بديل للطاقة مما يوفر عليها الأموال اللازمة لاستيراد النفط، كما أن النفط والغاز مصدران غير متجددان وسيأتي يوم ما وسينفدان، ولابد أن تستعد الدول البترولية - وخصوصا دول الخليج العربي - لهذا اليوم...

وبمناسبة الحديث عن هذه النقطة فبالرغم أن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة نفطية، وتمتلك احتياطات نفطية كبيرة إلا أنها تسعى بجد واجتهاد إلى إيجاد مصادر بديلة ودائمة للطاقة وذلك حفاظا على صحة الإنسان، وحماية للبيئة، وللحصول على الطاقة النظيفة بأسعار أقل بكثير من أسعار النفط والغاز الحالية...

أيضا تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا بإنشاء مدينة (مصدر) بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، وستكون هذه المدينة خالية تماما من الكربون (Carbon Free)، وبلا إي انبعاث للغازات الدفيئة المسببة للإحترار العالمي، كما قامت الإمارات بإنشاء "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا"، حيث يعتبر كجامعة مستقلة للأبحاث المتخصصة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة...

هناك خيار آخر أمام الدول الخليجية إذا ما رغبت بتقليل اعتمادها على النفط والغاز كمصدرين وحيدين للطاقة وبالتالي الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، أَلا وهو الطاقة الذرية، كما هو التوجه لدى بعض الدول الخليجية ومنها سلطنة عُمان، إلا أنَّ الطاقة الذرية غالية، ومكلفة، وإلى الآن لا يوجد حل جذري وآمن للتخلص من النفايات النووية، كما أنَّ استعمال طاقة الرياح يعتبر أقل تكلفة من الطاقة النووية، شريطة أنْ يكون هناك رياح كافية بالطبع...

وكمثال عن مشاريع الطاقة المتجددة في عالمنا العربي، تعتبر التجربة المصرية تجربة سبَّاقة في مجال الطاقة المتجددة، حيث استثمرت مصر الكثير من المال في مشروع ضخم في الصحراء الغربية لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق قوة الرياح باستعمال التربينات الهوائية، حيث يُتوقع أن يصل إنتاج هذا المشروع إلى 20% من الاحتياجات المصرية المحلية للكهرباء بحلول عام 2020 (يتضمن هذا الرقم أيضا بعض الطاقة التي سيتم توليدها عن طريق الطاقة الشمسية والمياه).

من الضروري أن نتبنى حلولا صديقة للبيئة ونحن نصمم مبانينا ومدننا ومنشآتنا، ومن الضروري أن يكون لدينا إستراتيجية واضحة تهدف إلى إنتاج طاقة نظيفة بنسبة معينة من أجمالي استهلاكنا للكهرباء، ومن الضروري أن نبدأ الآن في الأستثمار في مجال الطاقة المتجددة ما دمنا نملك المال اللازم، فأستثمارنا في هذا المجال سيزودنا بالتكنولوجيا والخبرات اللازمة - والتي ستتراكم مع مرور الوقت - والتي قد نصدرها يوما ما لدول أخرى، كما نصدر الآن النفط والغاز لدول العالم، وإلا فأنني أعتقد انه لو نفد النفط والغاز لرجعنا سنوات إلى الوراء، ولما وجدت مدننا الطاقة اللازمة لإنارتها...

٭٭٭

أفقت من خواطري وذكرياتي وأنا أتأمل خرائط المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي فشلت في أن أصمم أنظمته الميكانيكية بحيث أجعل منه صديقا للبيئة، ونجحت بأن أجعل منه وحشا شرها يمتص الطاقة الكهربائية، ويمتص مناخنا، بل أنه يمتص حياتنا ومستقبلنا ذاته...

٭٭٭

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

المرأة العُمانية من جديد...

مرحبا أيها الأخوان والأخوات، وأيها الأصدقاء والصديقات، أتمنى أنْ لا أكون قد صدَّعت رؤوسكم بهذا الموضوع...

في البداية أودُ أن أعترف لكم يا أصدقائي بأنني لست خير من يكتب عن قضايا المرأة، وبصراحة لا أعتقد بأنني الشخص الملائم للتصدي لمثل هذه المواضيع المعقدة والمركبة، والتي تتضارب فيها الآراء، وتتباين فيها الحجج، وتختلف فيها المشارب، والتي إن أتى فيها أحد ما برأي مُخالف، فسيُنتقص من دينه، وأخلاقه، وعرضه... وبكل أمانة أحب أن أنأى بنفسي عن كل هذا.... فحتى مبادرات السلطان قابوس لإعطاء المرأة حقوقها ينظر لها بعض الأشخاص (المتعصبين وضيقي الأفق) على أنها مبادرات علمانية وسعي لإرضاء الدول الغربية التي تريد أن تتدخل في شؤوننا بحجة الديمقراطية، والحريات، وتمكين المرأة، أعتقد أن ما كتبته في الموضوع السابق يضىء جانب بسيط جداً جداً من هذا الموضوع الهام، والمعقد، والمركب، والمتشابك...

سألني أحد القرَّاء الكرام في أحد المنتديات:

أتساءل دائما أخي ناصر عن النموذج المناسب أو المنشود للمرأة مستوفية الحقوق والواجبات؟! كيف هو؟ أو ماهيته؟!

وكانت إجابتي كالتالي:

كما قلت يا سيدي الكريم لا أعتقد أنني خير من يفتيك في هذا الموضوع، ولكنك إن سألتني عن وجهة نظري، فأنا مع النموذج الإسلامي الذي يتماشى مع روح العصر، الذي ينظر للماضي ويستفيد منه، وينظر للحاضر ويعايشه ويتأقلم معه، و وينظر للمستقبل ويخطط له ولتغيراته... وأنا ضد الذي يعيش اليوم بنمط الحياة والأفكار التي كانت سائدة منذ آلاف السنين بدون أن يجتهد، ويحتج بأنه سائر على السنة وأتباع الصحابة والتابعين، بينما يكون هو يفسر السنة ويلوي نصوصها بما يتلائم ونظرته الرجعية، لو راجعت التاريخ يا صديقي العزيز لوجدت أن المرأة في صدر الإسلام كان لديها الحرية الإجتماعية، والسياسية، والإقتصادية، وإلا فلماذا أصر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يبايع النساء، أليس ذلك حقا سياسيا للمرأة... ولكن ماذا عن حقوقها الآن؟؟؟...

٭٭٭

بينما أتصفح بعض الجرائد القديمة أمس والتي لم أكن قد قرأتها بعد، لفت نظري مقال للقاصّة هدى الجهوري نُشرَ في ملحق شرفات الأخير (24 من أكتوبر 2010) والذي تصدره جريدة "عمان"، وهو عبارة عن قراءة في كتاب "المرأة العمانية بين الماضي والحاضر" للكاتبة العمانية الدكتورة رحمة بنت إبراهيم بن سعيد المحروقية، ما شد إنتباهي وأنا أقرأ المقال التشابه الكبير بين ما ذكرتُه في موضوعي السابق عن المرأة العُمانية، وبين بعض الأمثلة الجميلة المذكورة في الكتاب، فقمت بتغيير لون الخط للون الأحمر في بعض العبارات التي أقصدها، فأرجو منكم قراءة هذا المقال الجميل...

٭٭٭

عرضت الكتاب - هدى الجهورية:--

صدر كتاب “المرأة العمانية بين الماضي والحاضر”، للدكتورة رحمة بنت إبراهيم ابن سعيد المحروقية، متزامنا مع الاحتفال بيوم المرأة العمانية. ركز الكتاب على حياة المرأة في مستويين هما الماضي البعيد، والعهد الجديد الذي بدأ عام 1970م. عرّجت المحروقية في بداية كتابها على ذكر مقتطفات من فيض حكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -، وما للتقاليد والتراث العماني من دور وأهمية في صنع الهوية الحضارية العمانية. ثم دخلت إلى موضوع الكتاب، وناقشت أوضاع المرأة وأدوارها التقليدية قبل عصر النهضة، "يجدر القول بأن المرأة العمانية على اختلاف أوضاعها قبل عصر النهضة، لم تكن أبداً عاطلة عن العمل فقد كانت دائماً تحرص على أن تشغل وقتها وفراغها بشيء منتج ومفيد”. وأشارت إلى أن حال المرأة العُمانية في زنجبار كانت أفضل بكثير من حال مثيلاتها في عُمان في مرحلة ما قبل النهضة، فبرغم اتساع رقعة الدولة لتصبح إمبراطورية مترامية الأطراف، إلا أن عمان البلد الأم لم تكن فاحشة الغنى وكان معظم أهلها يعيشون في شظف من العيش وهو أمر أكدته السيدة سالمة في سيرتها الذاتية، وهي إذ تورد تلك القصص فإنها تبتغي تسليط الضوء على الدور المهم والحيوي الذي قامت به المرأة العمانية في بلادها في فترة اشتد بها الفقر في عُمان. “لقد برز دور المرأة في تلك الحقبة من الزمن فكان لها فضل المحافظة على استقرار المجتمع وتمسكه بتقاليده ودينه مما كفل استمراره وبقاءه وتماسكه.”..

الفصل بين الجنسين

تربط المحروقية بين قوة شخصية المرأة وجرأتها، ومبدأ عدم الفصل بين الجنسين فتشير إلى أنه لم يكن سائداً في كل أنحاء عُمان، وأن المرأة العُمانية في بعض الأوساط كانت تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب وكانت تستقبل الرجال وتضيّفهم في غياب زوجها، وكانت لا تستحي من الغرباء ولا تخاف الاختلاط بهم أو الحديث معهم، كما ورد في كتاب تاريخ عُمان لولستد والكتاب الذي كتبه بيرس كوكس، القنصل البريطاني في مسقط في 1902م. ويذكر كوكس بأنه عندما مرّ على عبري: “كان كل رجل وامرأة وطفل، يصر على مصافحته، بالرغم من شدة الحرارة، بالمقابل تؤكد لنا أن الفصل بين الجنسين وتبعاته مثل فرض البرقع والخمار على المرأة كان سائدا في المدن فقط كمدينة مسقط.

ذكر الكاتب توماس لومسدن (1822) أن النساء في مسقط قد “استرعين انتباهنا بميزة لباسهن. كن يلبسن حجاباً من القماش الأسود أو الأزرق على الوجه وله فتحات للعيون. كما لم يكن أقل اندهاشا بمظهرنا منا بمظهرهن، فحين مررنا بهن استدرن نحونا وقهقهن عالياً”، وهو يرى أن هذا اللباس يتيح للمرأة حرية النظر لمن تشاء دون أن يراها أحد.
ومهما تكن الظروف التي أحاطت بالمرأة العُمانية قبل عام 1970 فإن دورها كأم وربة للأسرة والبيت كان أساسياً وحيوياً فقد كانت تعتني بأطفالها وتتعهد رعايتهم بنفسها وقد يساعدها في ذلك الجدات والجارات. وواجبات المرأة المنزلية تتضمن إعداد الطعام وتنظيف البيت والأواني وجلب الماء من الآبار والأفلاج وغسل الملابس وطحن الحبوب وخياطة الملابس لجميع أفراد الأسرة ورتق البالي منها أو الممزق.
تلفت المحروقية النظر إلى عادة كانت متبعة في بعض مناطق السلطنة، وإن كانت الآن قد تبدو غريبة، وبمقتضى هذه العادة لم يكن “يباح للمرأة شيئان، حلب الماشية وطهي الطعام”.
وبالنسبة للمرأة الريفية في مناطق عُمان الزراعية كالمنطقة الداخلية مثلاً فإنها كانت تعمل بالزراعة وفي الحقول إلى جانب الرجل وتقوم بأعمال كثيرة في بساتين النخيل كجني الرطب (الخراف) وجمع ما تساقط من النخيل من تمر (رقاط) وتنظيف أرض البستان واقتلاع الحشائش الضارة، ومساعدة للرجل أيام جني محصول التمر (الجداد)، وغيرها من الوظائف.
أما المرأة العُمانية التي تعيش في الجبال المنتجة للكروم والمساعدة في أعمال الزراعة المختلفة، فيذكرها جيمس ولستد في كتابه”تاريخ عُمان” بقوله:” النساء هنا سافرات يعملن في رعاية الكروم وأداء الأعمال الأخرى المتصلة بالزراعة، ويجلبن الماء من الينابيع يحملنه فوق رؤوسهن شبيهاً بالأسلوب ذاته الذي تحمله به نساء الهند أما المواعين التي تجلب فيها المياه فهي مثل تلك التي بالهند تماماً”، و في كتاب “نزوى وصحار قبل ثلاثين عاما: لمحة من الماضي” لثلاث مؤلفات عربيات اشتركن في الدراسات الميدانية التي أجرتها اليونيسيف في عُمان في سنة 1973، تقول المؤلفات: “ ومن الأعمال اليدوية التي كانت المرأة تقوم بها في البيت صناعة السلاسل الفضية والتطريز بخيوط الفضة على غمد الخنجر والحزام. وعملت المرأة كبائعه متجولة في الحارة تبيع نوعا واحدا من السلع مثل الأقمشة أو الكحل أو دبابيس الشعر أو البخور أو البيض والحليب وكان أحد الرجال في عائلتها يشتري لها هذه السلع من السوق. بعض النساء كن معلمات في مدارس القرآن والمدارس الحكومية. ومع أن المرأة كانت تقوم بكل هذه الأعمال إلا أنها لم تكن ترتاد الأسواق لأن ذلك يعتبر عيبا بالنسبة للنساء غير البدويات.” بعدها تورد الكاتبة فصلا تخصصه للصناعات الحرفية التقليدية التي كانت تزاولها المرأة، وكانت مصدر رزقها، وتسهب الكاتبة في التفصيل فيها، من مهنة سعف النخيل إلى نقش النحاس، ومن صناعة الكحل والدهان إلى نحت العظام لصنع مشابك الشعر.

نصيبها من الفنون

في الفصل التالي تنتقل د. رحمة المحروقية للحديث عن دور المرأة في المحافظة على الفولكلور العماني من موسيقى وغناء وحركات إيقاعية فيكاد يكون الشعب العماني الأكثر بروزا بين الشعوب العربية في مجال مشاركة المرأة في الفنون الموسيقية، وفنون الأداء الحركي المصاحب للإيقاع حتى أن بعض الباحثين في هذا المجال كالدكتور عصام الملاح والذي ألف كتاب “دور المرأة في الحياة الموسيقية العمانية” قد اندهش من الوجود الملموس للمرأة العمانية في هذه الفنون وكما يقول الملاح “إن نصيب الفنون التي تشترك فيها النساء كبير جدا”.

كانت المرأة تخرج لأداء الرقص الجماعي مع الرجال كما في فنون المزيفينة والربوبية والوقيع ورقص الزنوج، وتغني في الأعراس، وتشارك في أغاني العمل كالتي تُغنى عند صناعة الشباك. ثم تذكر الكاتبة أشهر الفنون التي ورد ذكرها في كتاب “معجم موسيقى عمان التقليدية” مع تعريف مختصر لكل منها.

قصص وحكايات تقليدية

لم يفت المحروقية أن تُشير إلى دور المرأة أيضا في نقل القصص و الحكايات التقليدية من جيل إلى جيل، “جداتنا خير رواة للتاريخ وخير مسجلات وحافظات لما توارثته الأجيال من قصص وحكايات التقليدية عكست في مضامينها وموضوعاتها وشخصياتها وأحداثها السمات الأصيلة للمجتمع العماني من ناحية وتمازجه مع وتأثره بمجتمعات عدة تعامل معها بحكم موقعه الجغرافي من ناحية أخرى..كانت الجدات خير رافد للثقافة الأدبية الشفوية أو الأدب المنطوق حيث نقلن إلى الأجيال المتعاقبة ما حفظته ذاكرتهن من ثروة ثقافية تضمنت الشعر والأمثال والأحاجي والقصص الشعبية. وهذه تم تدوين وتسجيل بعضها في عصر النهضة العمانية، وتجرى الآن محاولات جادة من بعض المثقفين لتسجيل الموروث العماني من القصص التقليدية وتدوينه في كتب تحفظه للأجيال القادمة. ومن الكتب الجيدة التي وردت فيها الحكايات الشعبية كتاب:”روت لي جدتي” للكاتبة فاطمة بنت قلم الهنائية, وكتاب “حكايات جدتي” لخديجة بنت علوي الذهب، وهناك كتاب عمانيون رجال قاموا بجمع القصص التقليدية وتوثيقها في كتب. ويقوم البعض بتدوين الأمثال, وغيرهم يعمل على كتابة الأحاجي أو التغابي أو الألغاز التي تتوفر بكثرة في المجتمع العماني الأصيل.. وحاليا يقوم بعض الباحثين بجامعة السلطان قابوس وجامعة صحار بمحاولة تدوين الأدب العماني المنطوق وغيره من نواحي الحياة في الماضي عن طريق مقابلة النساء العمانيات وكتابة ما يسردنه من قصص وستتم ترجمة العمل إلى الانجليزية لينشر في وقت قريب..

أزياء وإكسسوار وزينة

يلتفت الكتاب أيضا إلى ملابس المرأة العُمانية كونها قطعا فنية صاغتها أيادي المرأة العُمانية الكادحة، الذواقة والماهرة وهي في تصميمها وأشكالها وزخرفتها تعكس تقاليد بلدنا وتعاليم ديننا الحنيف وبهذا تحافظ على هويتنا الحضارية المتميزة. ملابس المرأة العُمانية تختلف في تصميماتها وأشكالها وزخارفها باختلاف المناطق، وهذا التنوع في التصميم إنما هو دليل على تباين وغنى مخيلة الإنسان العُماني. ولكن رغم هذا التنوع والتباين فإن جميع أزياء المرأة تتكون من قطع محددة، ولا يكتمل الزي التقليدي للمرأة العُمانية إلا مع التحلي بالمصوغات الذهبية والفضية التقليدية والتي تتماشى مع الأزياء المختلفة وتذهب الكاتبة للتفصيل في ذلك فصلا كاملا، بعرض قطع ملابسها قطعة قطعة بحسب المناطق. كما استفاضت بالحديث عن الحُلي العُمانية، وتزيينها بالزخارف، وبالعملات الفضية والذهبية كالقروش وقرش ماريا تريزا، واستخدام المرأة للقرون والعظام والمرجان والخرز والأحجار الكريمة، وبعد الملابس والحلي تأخذنا المحروقية إلى الكماليات التي كانت تعدها المرأة من الضروريات كالبخور والعطور واللبان الذي كان ولا يزال من دلائل الحضارة والثقافة العمانية، والنباتات العطرية كالمحلب والصندل، وتكمل المرأة زينتها بوضع الحناء على راحتيها وقدميها، والكحل في عينيها.

ما أُلف عنهن قليل

تفرد المحروقية فصلا كاملا للحديث عن نساء عُمانيات شهيرات، فبالرغم مما نقتله الروايات لنا عن قوة شخصية المرأة وذكائها، إلا أن ما أُلِف عن شخصيات النساء العُمانيات اللاتي كان لهن حظ من الشهرة أو العلم أو غيرهما يعتبر قليلاً جداً بل هو شبه نادر وقد ظهرت أخيراً محاولات جيدة لمؤلفين أفردوا مؤلفات خاصة لهذا الغرض ذكرت الكاتبة منها: ثلاثة كتب اختصت بالمرأة أولها من تأليف خليفه ابن عثمان البلوشي وعنوانه”عُمانيات في التاريخ: أدبزهد – سياسة”، والكتابان الثاني والثالث هما “السيرة الزكية للمرأة الاباضية” لمؤلفته بدرية بنت محمد الشقصية و”معجم النساء العمانيات” وهو من تأليف سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني، وقد ركزا على المرأة الاباضية عامة غير أنهما ذكرا العديد من النساء العُمانيات لكونهن إباضيات المذهب ولحسن سيرتهن وما خلفنه من ذكر حسن، وذكرت المحروقية كتب التاريخ العُماني التي ذكرت أسماء متفرقة لنساء عُمانيات شهيرات ومن هذه الكتب كتاب “سلطنة عُمان: تاريخ وحضارة” وهو من إعداد سعيد بن سالم المعمري، وكتاب “عُمان في سؤال وجواب” وهو من تأليف الأستاذ سليمان بن علي العبري، وكتاب “زنجبار: شخصيات وأحداث” لناصر بن عبدالله الريامي.
من الكتب التي ذكرت بعض النساء العُمانيات ذوات الشخصيات الفذة واللاتي قمن بأدوار رائدة في مجتمعهن أو حياة أزواجهن كتاب برز في الساحة الأدبية والتاريخية في عُمان منذ سنوات قليلة فقط برغم كونه قد ألُف في القرن التاسع عشر الميلادي كتاب يحمل عنوان “مذكرات أميرة عربية” الذي ألفته السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان حاكم عُمان وزنجبار آنئءذ وهو كتاب من أدب التراجم الذاتية تذكر فيه المؤلفة بوضوح حال المرأة العُمانية والعربية في أوساط كانت المؤلفة على دراية بها في الزمن والمكان الذي عاشت فيهما. والسيدة سالمة بكتابتها مذكراتها تلك تكون من أشهر النساء العمانيات اللاتي خَلُدَ ذكرهن في التاريخ العُماني وهي أول امرأة عربية تكتب سيرة ذاتية وبهذا تكون الرائدة في مجال أدب التراجم النادر في تلك الحقبة من الماضي السحيق.

وأبرز النساء العُمانيات اللاتي ذكرتهن السيدة سالمة هي عمة أبيها السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد والتي لعبت دوراً قيادياً في عُمان حين عقدت لنفسها الوصاية على وريثي عرش السيد سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي توفي وترك ولدين صغيرين هما سالم وسعيد وصغر سنهما ألهب أطماع بعض أفراد عائلتهما فدبت الخلافات فما كان من السيدة موزة إلا أن أخذت هي بزمام الأمور واستطاعت بعزيمتها وثباتها وحسن تصرفها وقيادتها الحكيمة أن تدفع الخطر عن مسقط وأن تحتفظ لابني أخيها بحكم البلاد. وفي نفس الكتاب ورد ذكر السيدة عزة بنت سيف زوج السيد سعيد بن سلطان والتي لم تكن محببة لدى السيدة سالمة ولكنها كما تذكر في ترجمتها لنفسها: “ كان لها الحكم المطلق والكلمة العليا في بيت السيد سعيد”. رغم ضآلة حجمها وقلة حظها من الجمال فقد كانت لها السيطرة المطلقة على زوجها بحيث أنه كان يتبنى عن طيب خاطر كل آرائها وطلباتها.
وقد ذكر المؤلف خليفه بن عثمان بن محمد البلوشي- “الذي هو أول من تطرق إلى تصنيف سفر لتراجم سيدات عُمانيات” كما تصفه المحروقية تراجم الكثير من النساء العُمانيات الشهيرات، بعضهن ذكرتهن السيدة سالمة في مؤلفها، وذكر أخريات كثيرات ممن لم تذكرهن ومن أبرز هؤلاء الملكة شمساء وحكمت عُمان منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. وكانت عمان في ذلك الوقت مركزاً معروفا باستخراج وصناعة النحاس ولهذا فقد تعرضت لأطماع دول أجنبية، وحين أدركت الملكة شمساء بأن الخطر محدق بالبلاد أرسلت برسالة إلى الملك سرجون الأكادي (3371 ــ 2316 ق.م ) وهو أقدم الملوك الأكاديين في العراق تطلب فيها عقد اتفاقية مع بلاده لاستخراج النحاس فأجاب الملك طلبها ونزل عند رغبتها فتم توقيع الاتفاقية، ثم عرجت المحروقية على ذكر أسماء نساء بارزات من مثل: شمساء الخليلية، الفقيهة والأديبة وابنة العلامة الكبير سعيد بن خلفان بن سعيد الخليلي التي تعلمت القرآن والفقه حتى أصبحت مرجعاً لحل المسائل والفتاوى لأهل عصرها، عائشة بنت عيسى بن صالح الحارثية، أديبة وشاعرة أجادت نظم الشعر وبرعت فيه، السيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية وكانت كريمة جوادة شجعت العلم وطلابه وأنفقت عليهم من حُر مالها، وغيرها من الأسماء، وفي نهاية الفصل تأسفت المحروقية على الكثير من النساء اللواتي لم يحظين بتخليد ذكرهن فانمحت أسماؤهن من الذاكرة.

التعليم والمناصب العليا

وبعد أن قدمت المحروقية عرضا لشكل الحياة في الماضي، بدأت في الجزء الآخر بعرض مقتطفات من بعض الكلمات المضيئة لمولانا صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -، تبين منهاج المساواة بين الرجل والمرأة الذي اتبعه جلالته بحكمته منذ توليه الحكم. ثم تحدثت المحروقية عن أوضاع المرأة العمانية في ظل الحكومة الآن “والحق يقال بأن أوضاع الرجال في عمان قبل السبعين من القرن الماضي لم تكن أحسن بكثير من أوضاع المرأة فقد عاش الرجل الذي هو أبو المرأة وزوجها وشقيقها وابنها في أوضاع بائسة نظرا لما مرت به البلاد من فترات العزلة والركود والجمود.وإن كان لهم الحظوة في التعلم في المدارس الثلاث التي وجدت قبل عام 1970 إلا أن المرأة كانت تتعلم في الكُتاب أيضا. لكن ومنذ عام 1970 انقضى التمييز بين الجنسين فلم يعد للتفرقة مكان في الوطن، وأصبحت المساواة فكرة وعقيدة ثم قانونا متبعا كفلته التشريعات والقوانين”.
توفير التعليم للمرأة كان نقطة التحول الرئيسية في حياتها. أصبحت معظم النساء العمانيات يحملن شهادات جامعية كالليسانس والبكالوريوس وتحمل نسبة كبيرة منهن شهادات عليا كالدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه. انخرطت المرأة العمانية في جميع الوظائف وكان لها السبق بين شقيقاتها العربيات في العمل في بعض المجالات كمجال الشرطة منذ عام 1972. وأسهمت إسهاما ملموسا في تطوير الإذاعة والتلفزيون وغيرها من الوسائل الإعلامية. تدرجت المرأة في مناصب الدولة المختلفة حتى بلغت رتبة الوزارة فحاليا توجد ثلاث وزيرات للتعليم العالي، والتنمية الاجتماعية و السياحة وعينت برتبة وزير رئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية. كما وصلت المرأة العمانية إلى منصب وكيل وزارة وسفير، ومدير عام أو نائب مدير عام وعينت بعض النساء في منصب خبير ومستشار، ومناصب أخرى. وللمرأة العمانية تمثيل في عضوية مجلس الدولة الذي يعين رئيسه وأعضاؤه بمرسوم سلطاني “وقد بلغ عدد أعضاء مجلس الدولة 72 عضوا منهم 14 من النساء في عام 2009 وبالتالي تشكل المرأة العمانية نحو 20% من أعضاء مجلس الدولة.”

حظ الماضي أكثر من الحاضر!

يلاحظ قارئ الكتاب مباشرة أن الجزء المتعلق بالماضي يأخذ مساحة كبيرة من التفصيل، بينما الجزء المتعلق بالحياة الجديدة لا يأخذ نفس المساحة. كما أنها في الماضي عرّجت على ذكر أسماء بعينها ومجال تميزها، بينما لم تذكر أسماء حديثة بارزة، وربما نبرر ذلك بسبب غياب الأسماء القديمة عن ذهن القارئ في مقابل حضور الأسماء الجديدة ومعرفتنا بها.
تحدثت المحروقية بإسهاب كبير عن زي المرأة وحليها وملابسها في الماضي، وتمايز المناطق فيما بينها من حيث اللون والتصميم من الريف إلى المدينة إلى الجبل، ولم تُعرج على تخلي المرأة عن تراثها الجميل في الخزانات والدواليب المغلقة، والتشابه “الأسود” الذي أصبح بديلا تجتمع عليه جميع مناطق السلطنة، إلا أن هذا لا يلغي أن الكتاب كُتب بلغة رشيقة وسهلة وبسيطة، واستقى معلوماته من مؤلفات كثيرة عربية وغربية، وظفتها كأدلة على الأفكار التي استخلصتها.

٭٭٭

المصدر:

http://www.main.omandaily.om/node/33579

بحث هذه المدونة الإلكترونية