الأحد، 4 مارس 2012

الإحترار العالمي ومستقبل الطاقة المتجددة... صياغة أخرى...



مرحبا أيها الأصدقاء والصديقات، كثيرون منكم يلومونني على كسلي الشديد في الكتابة خلال الفترة الماضية وأنتم محقون في ذلك، ولكنكم لو تعلمون إنشغالي الشديد في حياتي العملية والخاصة لألتمستم لي بعض العذر، فأنا لست كاتبا محترفا أكتب ما أشاء ومتى أرغب بالكتابة، ولكنني مجرد هاوٍ يكتب عندما تأتيه الكتابة فقط، كنت قد كتبت هذا المقال بصورته الحالية ليتم نشره في إحدى الصحف المحلية، ولكن طُلب مني إعادة صياغته ليكون ملائما للنشر، واليوم أعيد نشره في صيغته الأصلية، فأتمنى أن يروق لكم...

٭٭٭

غارقا في العمل وسط خرائطي وأوراقي وحساباتي، وأنا منهمك في تصميم الخدمات الميكانيكية لذلك المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي سيكون وحشا يمتص الطاقة إمتصاصا بعد أن فشلت في إقناع المالك بتبني نظام تكييف عالي الكفاءة ولكنه عالي التكلفة المبدئية نوعا ما، أتذكر حواراً دار بيني وبين مديري السابق "بيتر إبسن" (Peter Ibsen) قبل سنوات حول موضوعيْ الإحترار العالمي (Global Warming) والطاقة المتجددة (Renewable Energy)...

٭٭٭

علمت أن "بيتر إبسن" قام مؤخرا بحضور عدة مؤتمرات تتعلق بإنتاج الطاقة من مصادر متجددة كمساقط المياه، والرياح، وأشعة الشمس، وتتعلق أيضا بالإحترار العالمي، وتصميم المدن التي تخلوا تماما من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون...

كنت - وما زلت - أكن الكثير من الاحترام والتقدير لـ "بيتر إبسن" ليس فقط بسبب خبرته الطويلة وعلمه الغزير، وإنما بسبب تواضعه الجم وروحة المرحة، وكنت أتعامل معه كما يتعامل مستثمر جشع مع منجم من الذهب، فأحاول في كل نقاش أن أحصل على أكبر قدر من المعلومات...

- مرحبا بيتر... أهلا بعودتك... سمعت أنك كنت تجوب العالم بحثا عن مصادر أخرى للطاقة المتجددة...

- هاي ناصر... نعم لقد قمت بحضور عدة مؤتمرات، كان آخرها في أبوظبي المقر الرسمي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA).

- يبدوا أن موضوع الطاقة المتجددة قد أصبح موضوع الساعة هذه الأيام...

- نعم أن موضوع الإحترار العالمي هو موضوع الساعة الآن، وهو الذي يستدعي أن نفكر في استعمال مصادر الطاقة المتجدة للتقليل من أنبعاث الغازات الدفيئة، فهناك قلق كبير لدى معظم الحكومات والمؤسسات العلمية أن ظاهرة الأحترار العالمي ستؤدي لتغيرات مناخية لا يمكن عكسها أو أصلاحها مستقبلا، فمثلا أرتفاع درجة الحرارة يؤدي لذوبان الثلوج في القطبين مما يؤدي لأرتفاع مستوى سطح البحر، وربما لا نستطيع عكس هذا التأثير مستقبلا...

- ولكن ما الذي يضيرنا أن غمر البحر أراضيكم وأنتم في العالم الغربي الصناعي الذين تساهمون بشكل كبير في أطلاق الغازات الدفيئة والمتسببة في الأحترار العالمي؟

كان سؤالي مستفزا بعض الشىء ولكنه أبتسم وأجابني قائلا:

- ليس الأمر بهذه البساطة ياعزيزي ناصر فالمشكلة أصبحت عالمية، فظاهرة تغير المناخ بفعل الإحترار العالمي باتت تشكل تحديا وتهديدا للبشرية، حيث أنها ستتسبب بكوارث مناخية واقتصادية واجتماعية حول الكرة الأرضية وسأذكر الظواهر التالية على سبيل المثال لا الحصر حتى تدرك أبعاد هذه الكارثة البيئية: ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تواتر وشدة موجات الحر والفيضانات والجفاف، وقد تكون هناك أيضاً عواقب خطيرة مباشرة على صحة الإنسان، وأبرز هذه العواقب ارتفاع معدلات المرض والوفاة نتيجة لموجات الحر، والفيضانات، والجفاف، وفي بعض البلدان الأفريقية على سبيل المثال قد تنحدر إنتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى 50% بحلول عام 2020 مما يهدد ملايين البشر بالموت جوعا، كما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة ندرة المياه، والدول الصغيرة القائمة على جزر كجزر المالديف، أصبحت أيضاً معرضة للخطر الشديد من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد بمشكلة عالمية سببها ملايين اللاجئين البيئيين، أيضا لاحظ العلماء مؤخرا تغير أنماط التيارات البحرية، ومن أشهر التيارات البحرية ما يسمى بـ "تيار الخليج" الذي يتحرك من المحيط الأطلسي شمالا بين جزيرتي جرينلاند وبريطانيا حتى شمال أوروبا، والذي يؤمن لأوروبا مناخا معتدلا نسبيا، وإذا توقف هذا التيار البحري فأن شمال أوروبا سيعاني من عصر جليدي آخر، أيضا العواصف المدارية في المحيط الهندي ستكون أكثر تواترا مما يهدد بعض الدول المطلة على هذا المحيط (مثل سلطنة عمان) بتواتر "الأنواء المناخية" في فترات قصيرة نسبيا.

كان بيتر متحدثا لبقا وموسوعيا، وكثيرا ما كان يبهرنا بمعلوماته القيمة...

- ولكن ما نسبة ما ننتجة في عمان سنويا من الغازات الدفيئة مقارنة بما تنتجة الولايات المتحدة سنويا؟ لا أعتقد أن هناك وجها للمقارنة، وبالتالي تقليلنا لأنبعاث الغازات الدفيئة لا أعتقد أنه يحدث فرقا...

- يقاس إنتاج الغازات الدفيئة أحيانا بالنسبة لعدد السكان، ولو قارنا إنتاج الغازات الدفيئة في سلطنة عمان بالنسبة لعدد السكان، لوجدناه أكبر من أنتاج الولايات المتحدة بالنسبة لعدد السكان، وهذا نتيجة طبيعية لرخص أسعار الوقود والطاقة في هذا الجزء من العالم، وعدم إستعمال مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وأيضا عدم تصميم المباني بطريقة تجعلها تستهلك طاقة أقل في عمليات التكييف والتهوية والإضاءة...

تذكرت مقالا قرأته في احدى الدوريات المتخصصة في هندسة التكييف التي تصدرها الجمعية الأمريكية لهندسة التدفئة والتكييف والتبريد (ASHRAE) بعنوان "الأبراج الخاطئة: جميلة ولكن ليست جيدة"، يتحدث فيه الكاتب عن مبنى برج العرب الشهير في دبي، وكيف أنه جميل ولكنه يستهلك الكثير من الطاقة لتكييفه وتهويته، الأمر الذي كان يمكن تجنبه عن طريق تصميمه بطريقة صديقة للبيئة تجعله يستهلك طاقة أقل بكثير...

خطرت لي فكرة أخرى فسألت بيتر:

- ولكن ما أهمية البحث عن مصادر بديلة للطاقة بالنسبة لدول مصدرة للنفط والغاز كالدول الخليجية؟

- أعتقد أن جميع الدول - بترولية أو غير بترولية - ستستفيد من الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، فالدول البترولية تستطيع الاستفادة من بترولها لمدى أطول، أو تصديره عوضا عن استهلاكه محليا لتوليد الطاقة، أما الدول غير البترولية فستستفيد عن طريق وجود مصدر بديل للطاقة مما يوفر عليها الأموال اللازمة لاستيراد النفط، كما أن النفط والغاز مصادر غير متجددة وسيأتي يوم وسينفدان، ولابد أن تستعد الدول البترولية لهذا اليوم...

وبمناسبة الحديث عن هذه النقطة، لقد تذكرت أن أخبرك عمَّا شاهدته في زيارتي الأخيرة لأبوظبي، فبالرغم أن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة نفطية، وتمتلك احتياطات نفطية كبيرة إلا أنها تسعى بجد واجتهاد إلى إيجاد مصادر بديلة ودائمة للطاقة وذلك حفاظا على صحة الإنسان، وحماية للبيئة، وللحصول على الطاقة النظيفة بأسعار أقل بكثير من أسعار النفط والغاز الحالية...

أيضا تقوم الإمارات حاليا بإنشاء مدينة (مصدر) بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، وستكون هذه المدينة خالية من الكربون، وبلا إي انبعاث للغازات الدفيئة المسببة للإحترار العالمي، كما قامت الإمارات بإنشاء "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا"، حيث يعتبر كجامعة مستقلة للأبحاث المتخصصة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة...

هناك خيار آخر أمام الدول الخليجية إذا ما رغبت بتقليل اعتمادها على النفط والغاز كمصدرين للطاقة وبالتالي الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، أَلا وهو الطاقة الذرية، كما هو التوجه لدى بعض الدول الخليجية ومنها سلطنة عُمان، إلا أنَّ الطاقة الذرية غالية، ومكلفة، ولحد الآن لا يوجد حل جذري وآمن للتخلص من النفايات النووية، كما أنَّ استعمال طاقة الرياح أقل تكلفة من الطاقة النووية، شريطة أنْ يكون هناك رياح كافية بالطبع...

من الجيد أن تبدؤوا الآن في الأستثمار في مجال الطاقة المتجددة ما دمتم تملكون المال، فأستثماركم في هذا المجال سيزودكم بالتكنولوجيا والخبرات اللازمة - والتي ستتراكم مع مرور الوقت - والتي قد تصدرونها يوما ما لدول أخرى، كما تصدرون الآن النفط لدول العالم...

٭٭٭

أفقت من خواطري وذكرياتي وأنا أتأمل خرائط المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي فشلت في أن أصمم أنظمته الميكانيكية بحيث أجعل منه صديقا للبيئة، ونجحت بأن أجعل منه وحشا شرها يمتص الطاقة الكهربائية، ويمتص مناخنا، بل أنه يمتص حياتنا ومستقبلنا ذاته...

٭٭٭

هناك 5 تعليقات:

  1. مقال رائع
    وأيوه انته كسول ..
    واكتب أكثر

    أفكرك مت ..

    ردحذف
  2. أشكرك يا صديقي وأنا ما زلت حيا وما زلت أحاول أن أكتب شيئا يستحق القراءة...

    ردحذف
  3. تصاميمك روعه

    ردحذف
  4. موضوع ممتاز جدا شكرا لكم

    ردحذف

بحث هذه المدونة الإلكترونية