الاثنين، 14 سبتمبر 2009

عن القيادة أحكي لكم




لا يخفى على أحد ما للقيادة (Leadership) من دور هام في توجيه الموارد البشرية و المادية لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقا للمؤسسات و الهيئات سواء كانت حكومية أو خاصة، و القيادة الحقيقية هي القيادة القادرة على توجيه هذه الموارد لما فيه مصلحة الفرد و المجتمع و الأمة بأسرها، بحيث تنعكس هذه القيادة على سلوك الأفراد، فيصبح الفرد منتجا و مثابرا، محبا للتحديات في مجال عمله، بل تصبح التحديات و الصعاب التي يواجهها الفرد العامل حافزا و منشطا لمزيد من الكفاءة و اكتساب الخبرات و المهارات الجديدة، بحيث يصبح في نهاية المطاف فردا مبدعا و خلاقا (Creative)........ و العلاقة بين أسلوب القيادة و الخلاقية (Creativity)علاقة وطيدة جدا، بحيث أن سلوك القائد (Leader behaviour) و أسلوب قيادته له تأثير بالغ في تحفيز أو تثبيط "الهمم الخلاقية " كما أحب أدعوها، و لقد أبدع الأكاديميين في هارفارد و مدارس الأعمال في الجامعات العالمية العريقة في دراسة هذا التأثير و العلاقة التي تربط القيادة بالخلاقية ، ليس هذا موضوعنا في هذا السياق و سأعود لمناقشته في يوم ما بطريقة أكثر تفصيلا و أكثر تأنيا بأذن الله.


منذ ما يقارب العامين و أنا أتأمل في أساليب القيادة التي تتباين بتباين الثقافات و القيم و الأخلاق بين الأمم و الشعوب، فنجد في الهند على سبيل المثال أن نمط القيادة السائد يتخذ الشكل الهرمي أو العمودي (Vertical Hierarchy)، و يتميز هذا البناء الهرمي بوجود فروقات مادية و معنوية هائلة بين القادة و الأتباع، بينما نجد نمط القيادة في الدول الإسكندافية يتخذ الشكل المسطح (Flat Structure) أو الأفقي، حيث لا يوجد هناك فروقات مادية أو معنوية كبيرة بين القادة و الأتباع.


و تنقسم القيادة من حيث سلوك القائد (Leader behaviour) إلى ثلاثة أقسام رئيسية سأتعرض لها باختصار أرجو ألا يكون مخلا:
1) القيادة التبادلية (Transactional Leadership): وتقوم على تبادل المنافع و المصالح بين القائد و أتباعه، و هذه المصالح قد تكون مادية (علاوة مثلا)، أو معنوية (الشكر و الثناء).
2) القيادة التحويلية (Transformational Leadership): يكون القائد التحويلي (Transformational Leader) متحليا بالأخلاق الفاضلة، و القيم العالية، و المبادئ الرفيعة، كما أنه في أغلب الأحيان يتمتع بكاريزما شخصية تجعله قدوة أو مثال أعلى لأتباعه، و يعمل القائد التحويلي على إكساب أتباعه خبرات و مهارات جديدة، كما يعمل أيضا على معرفة الأهداف الشخصية لأتباعه ، و يحرص على تحقيقها بحيث لا تتعارض مع أهداف المنظومة التي يعمل فيها الجميع، كما يعمل القائد التحويلي على تحفيز و تنشيط "الهمم الخلاقية" لدى أتباعه، و يقودهم لمواجهة التحديات، و حلها بطرق جديدة و فريدة و مبدعة، كما يعمل أيضا على إكسابهم مهارات قيادية بحيث يعمل على "تحويلهم" إلى قادة في نهاية المطاف.
3) القيادة الغير موجودة (Non-Leadership): يعتبر هذا النوع هو الغياب الفعلي للقيادة، حيث يتحاشى القائد قيادة أو توجيه أتباعه.


سأعود يوم ما إلى توضيح و شرح هذه الأقسام بشيء من التفصيل بإذن الله.


لقد تزامن ولعي بأساليب القيادة، ولع آخر بقراءة التاريخ الإسلامي في عصره الذهبي، أطلق زناده استماعي لأحد المحاضرات التاريخية لأحد الدعاة ، حيث كان يسرد التاريخ فيه و كأنه يتكلم عن ملائكة معصومين، و ليس عن بشر خطائين، مع بعض المغالطات التاريخية و التي لا تخفى عن أي باحث أريب.لقد دفعني الولع بدراسة القيادة و التاريخ إلى المزج بينهما، فيما أسميه بأسلوب القيادة الإسلامية (Islamic Leadership Style)، و سأعود أليه يوما ما لمناقشته بتفصيل أكبر بعون الله.

السبت، 12 سبتمبر 2009

أين المهذونون؟


لاحظت في الفترة الأخيرة غياب بعض المهذونين عن ساحات الهذونة، أو تناقص هذوناتهم على الأقل، فأصابني القلق لهذا الغياب، ترى ما السبب؟؟ هل لشهر رمضان أي سبب في هذ الغياب؟؟ أم أن هنك سبب آخر؟؟....... بعد التفكير مليا في الموضوع توصلت للنظريات أو الفرضيات التالية:
1) فرضية رمضان: تقول هذه النظرية أن للشهر الفضيل أثر في الموضوع، على أعتبار أنه من الصعب أحيانا أن يهذون المرىء في هذا البلد عن الإقتصاد العماني، أو التعليم العالي، أو المواصلات، أو الإعلام، أو حتى مسلسل "درايش" بدون ذكر بعض الأشخاص، مما يندرج تحت بند الغيبة و النميمة، و هي من نواقض الصيام، ففضل المهذونون الصمت حفاظا على صيامهم و صونا لدينهم....
2) فرضية السجن: تستند هذه الفرضية على حادثة نشر المدون عمار المعمري لبعض الوثائق التي تفضح الفساد الإداري في وزارة التعليم العالي، و سرعان ما كتب جميع المهذونين تعليقا أو أكثر يدين الحادثة، و عليه فقد تم الزج بجميع المهذونين في غياهب السجن بسبب هذه الفعلة الشنعاء.
3) فرضية البطاريات الفارغة: تستند هذه الفرضية على هذونة قرأتها لمعاوية الرواحي، يصف رفاقه المهذونين بأن بطارياتهم قد فرغت، و عليه فهم الآن في طور شحن البطاريات للبدء بالهذونة من جديد....
4) فرضية العود: تستند هذه الفرضية على الهذونات الأخيرة لمعاوية الرواحي و هو يتحدث عن المقامات و العزف على آلة العود، و أيضا عن وصول المدون عمار المعمري إلى أرض الوطن مصطحبا معه آلة عود تركية.....و كأني أرى بعين الخيال المهذون الأكبر في شقته الدارسيتية، محاطا بأصدقائه المهذونين، يتناوبون العزف على آلة العود، بينما يتناولون اللقيمات المغموسة بالعسل للتحلية، و يرتشفون كؤوس الفيمتو، و لا يخفى عليكم أعزائي القراء ما لهذا الجو الطربي من سحر خاص قد ينسيك الكتابة لبعض الوقت.....
عموما و كما يقول الشاعر: ستبدي لك الأيام ما كان خافيا............. و يأتيك بالأخبار ما لم تزود...........

الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

رامبرانت و أشياء أخرى….



في الليلة الخمسين بعد الثلاثة آلاف، و في سريرهما الملكي استلقت شهرزاد بجانب شهريار و هي تقول له: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد، أنه في بلد يقال له عمان، أفتتح معرضا للفنان الهولندي رامبرانت الذي "أنشغل بالضؤ و أشتغل فيه طوال حياته" فأستحق عن جدارة لقب "عاشق الضؤ أو فنان الضؤ"، و لرامبرانت عشق آخر لضؤ آخر، و هو عشقه للفاتنة "ساسكيا" التي سرعان ما تزوجها لتصبح مصدر إلهام له، حتى بلغ الفنان أوج عظمته فنا و ثراء في حياتها، و بموت "ساسكيا" بدأ فن رامبرانت يخبو، و بدأت ثروته تنفد، حتى مات مفلسا في آخر حياته........

***

بالأمس(06-09-2009) ذهبت مع صديقي (ابن مسعود رضي الله عنه) إلى المعرض الذي أقامته مكتبة السالمي مشكورة للفنان العالمي الهولندي رامبرانت، في فندق حياة مسقط..... استمتعت كثيرا بتلك اللوحات الفنية الرائعة، و بطريقة ما قام رامبرانت بإرسالي عبر الزمان و المكان إلى عصره في القرن السابع عشر، بل إلى عصور سحيقة أخرى كعصر سيدنا إبراهيم عليه السلام، و ولديه إسماعيل و إسحاق ، و عصر النبي يعقوب بن إسحق......
كل لوحة من اللوحات المعروضة تحكي لك قصة في إطار من الفن الراقي يفيض بالحياة و الحركة...... لقد تحكم رامبرانت بالإضاءة في لوحاته حتى أنه ليخيل لك أن رسمته ما هي إلا صور ضوئية، أخذت في فترات مختلفة من الليل و النهار...... فترى أحيانا ليله ليلاء قاتمة الظلمة، أو ترى سطوع أشعة الشمس على الشخوص و الأجسام في اللوحة..... و أحيانا ترى هالة من النور تحيط بملاك أو نبي في مشهد غاية في الروعة......
تأسرك الأحداث التي تنطق بها لوحات رامبرانت المستوحاة من العهد القديم (التوراة) و العهد الجديد (الإنجيل) و التي كما يبدو للناظر كانت محط اهتمام الفنان و مصدر إلهام له......
ما زلت أذكر مشهد سيدنا إبراهيم عليه السلام و هو يهم بذبح سيدنا اسحق (إسماعيل في رواية أخرى) ، و الملاك يحاول منعه، بينما يقبع الذبح العظيم تحت أحد أجنحة الملاك..... و ما أجمل مشاهد المسيح الطفل و هو غاف في حضن أمه مريم البتول، و ما أفظع تلك اللوحات التي تصور مشاهد صلب المسيح (حسب اعتقاد الفنان) و التي تدل على حجم الظلم و المأساة.
أن لوحات رامبرانت تمثل تاريخا حيا، حافلا بزخم هائل من الشخصيات الدينية و التاريخية.

***

قالت شهرزاد و ابتسامة محبطة ترتسم على شفتيها : بلغني أيها الملك السعيد أنه رغم ذلك العالم الساحر الذي أبدعته أنامل الفنان ، أتى بعض السطحيين و نظروا إلى هذا الإبداع نظرة سطحية، و استنكروا أن تقوم مكتبه تحمل اسم عالم جليل كالإمام السالمي بعرض لوحات تحتوي على رسوم لبعض الشخصيات و الرموز الدينية، و أفتوا أن المعرض حرام.......
أولا: ألم يعلم هؤلاء السطحيين أن رامبرانت كان فنانا هولنديا عاش في القرن السبع عشر الميلادي و بالتالي هو مسيحي و طبيعي أن يتأثر فنه بالكتاب المقدس..... و هل رسم هذه الرموز الدينية هو حرام عند النصارى؟؟؟
ثانيا: ألم يسمع السطحيين بمصطلح "الفن للفن"، ألا يستطيعون الاستمتاع بالفن فقط و بدون إقحام الدين في الموضوع؟؟؟؟
ثالثا: هل يود السطحيين لو قام رمبرانت برسم فنا إسلاميا صرفا؟؟؟
أعزائي السطحيين، إن لم تكونوا تتذوقون الفن فلم تذهبون لمشاهدته أصلا.....
كم أشمئز من هذه الآراء الشاذة و المريضة..........
***
تنهدت شهرزاد بحسرة، و تثاءب شهريار بملل قائلا: : كانت بداية قصتك رائعة و مفعمة بالجمال، و لكن نهايتها مملة كنكتة انتهت صلاحيتها، أعتقد أنني سآمر السياف أن يطير عنقك الجميل غدا..
استدركت شهرزاد بسرعة: و لكن خبر معرض الفنان العالمي الهولندي رامبرانت ليس بأغرب من خبر المسلسل العماني" درايش" حيث أنه بلغني أيها الملك السعيد أن..... و هنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح................





بحث هذه المدونة الإلكترونية