الاثنين، 30 أغسطس 2010

ثقافة الثقافة وثقافة الحوار... ومقال الدكتور صالح الفهدي...

عجبا منك أيها الدكتور صالح الفهدي... ومن مقالك أيضا...

٭٭٭

الدكتور صالح الفهدي يتكلم بطول مقاله عن (داء الاستعلاء) الذي أصاب من يصفهم بالقوم ذوي المخازي الظاهرة والباطنة، ولكنه في نفس الوقت يصف نفسه بـ "الرشيد" و"صاحب الأنفة" و"كيس الرأي" و "اللبيب" و"الأريب" و"كيس النظر" و "الباصر العاقل" ، و"صاحب الأنفه"، و"السامع المترفع"، ولديه "خبرة الشيخ وتجربته"، ولديه "عقلانية الأب الناضجة"، وهو "العاقل"، و هو من "علية القوم خلقاً وعلماً وأدباً ووجاهةً"... الخ...

بينما يصف القوم ذوي المخازي الظاهرة والباطنة - على حد تعبيره - بعكس كل الصفات التي وصف بها نفسه... فهو يصفهم بـ"أهل الأهواء والمفاسد"، و "أصحاب نظرة دونية" و"الجدال العقيم" و"التبرير السقيم"، كما أنّ "تعابيرهم بمليئة بأحط العبارات ، وأرخص الكلمات ، لا يميزون في التصوير بين بذيء مقذع ، وبين حسن بديع"، و هم معوجوا الفكر، وقبيحوا الخلق ، ومنحرفوا السلوك، وهم مرضى نفسيون، ومنحرفوا العقول... الخ...

السؤال: من المصاب بالاستعلاء هنا؟؟!! هل هو الدكتور صالح الفهدي أم القوم ذوي المخازي الظاهرة والباطنة؟؟!!

أيضا إن كان القوم لديهم مخازي باطنة فكيف أطلع عليها الدكتور صالح الفهدي؟؟!! هل أوتي علم الغيب أم تكشفت له سرائر الناس وأصبح يعرف بواطنهم؟؟!!

لماذا عندما ينتقد شخص ما أو كاتب ما أي شىء في عالمنا العربي يتهم في دينه وأخلاقه وشرفه؟؟!! لماذا لا نرد على الفكر بالفكر وليس بالتجريح وكيل السباب والإتهامات؟؟!! فعندما ينتقد كاتب ما شيئا يرد عليه آخرون بأنه فاجر وصاحب مخازي (ظاهرة وباطنة)، وعندما تنتقد كاتبة ما يرد عليها الآخرون بأنها عاهرة وربما صاحبة مخازي (ظاهرة وباطنة) أيضا...

هل هذه هي ثقافة الحوار التي نتوقعها من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا؟؟!! هل هذه هي حرية التعبير التي يتشدق بها مثقفونا ليلا ونهارا؟؟!!

وهل كل من يختلف فكريا معنا يصبح صاحب "مخازي ظاهرة وباطنة" و "مريضا نفسيا ومنحرفا عقليا ولديه عقد نفسيه تحتاج إلى علاج"؟؟!!

وكيف أوتيت – أيها الدكتور صالح الفهدي - القدره على تشخيص المرض النفسي؟؟!!

لماذا لا نستطيع قبول الآخر؟؟!! الآخر الذي يختلف عنا فكريا و لديه آراء مختلفة أو مخالفة...

٭٭٭

ذكّرني مقال الدكتور صالح الفهدي، بمقال قرأته قبل سنوات للدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي – رحمه الله – بعنوان (ثقافة الثقافة) نشره في كتابه "باي باي لندن ومقالات أخرى"، حيث يقول الدكتور غازي القصيبي:

"....في هذا المجتمع الذي تغيب عنه ثقافة الثقافة تنمو ثقافات اخرى كالنباتات الشيطانية (ثقافة الانغلاق) حيث لا قول الا ما قالت حذام، (وثقافة الاستعلاء) حيث يشرب غيرنا كدرا وطينا، و(ثقافة الكراهية) حيث:

الله يعلم أنا لا نحبكم... ولا نلومكم إن لم تحبونا...

والمجتمع عدو الثقافة، بخلاف ما قد يبدو لأول وهلة، لا يؤمن بفكر بعينه، ولا يتبنى نظاما سياسيا بذاته بوسع هذا المجتمع ان يكون ثيوقراطيا او علمانيا، يمينيا او يساريا، ويبقى مجتمعا معاديا للثقافة، ان نظام طالبان لا يكاد يجمعه شيء بنظام صدام حسين، ومع ذلك فالنظامان ينتميان بجدارة الى قائمة اعداء الثقافة.

اما في المجتمع الآخر، حيث تنتشر ثقافة الثقافة، فنجد الصورة مختلفة، في مجملها وتفاصيلها، عن صورة المجتمع الاول، تقتصر الرقابة على حماية الثوابت التي لا يختلف عليها، وتمارس في حدودها الدنيا.

يأخذ الفكر الف طيف وطيف، لاينكر طيف على بقية الاطياف حقه في البقاء، يتعامل المجتمع، بلا مركب نقص او جنون عظمة، مع ثقافة الاخرين، ياخذ بسخاء ويعطي بسخاء، يقبل بمودة ويمنح بمودة، ينتقي بثقة ويرفض بثقة.

لابد لي ان اقول، والالم يعتصرني، ان معظم مجتمعاتنا العربية والاسلامية، تتدرج بدرجات متفاوتة في ظل النموذج الاول، قامع الثقافة. ولعله من المضحك المبكي، ان نتذكر ان هذه المجتمعات تنتمي، بصلة النسب البعيد، الى حضارة كانت، في اوج ازدهارها، المثل العالمي المشرق لثقافة الثقافة. لنتأمل بغداد في عصرها الذهبي، ولنقارن بين ما كان يحدث هناك - وما يحدث الان في عالمنا العربي الاسلامي المعاصر. في بغداد القديمة، كان ابو العتاهية يعيش بقرب ابو نواس دون ان يطالب احدهما بسفك دم الاخر. وفي بغداد القديمة عاش شاعر عظيم تخصص في هجاء الدولة, وظل, كما كان يقول, يحمل كفنه اربعين سنة دون ان يجد من يكفنه فيه وفي بغداد القديمة، كان فكر المعتزلة يحاور فكر اهل السنة والجماعة في جدلية صحية سلمية قبل ان تدخل السياسة ميدان الفكر فتسمم كل شيء وفي بغداد القديمة كان طبيب امير المؤمنين نصرانيا، وكانت كتب الحكمة يونانية، وكانت اعظم العقول من فارس وبخاري، ولم يكن اليهود يعيشون في جيتو مغلق عليهم يتهددهم فيه، بين الحين والحين، خطر الابادة العنصرية. لا اود ان اضفي على الماضي من البريق ما لم يكن فيه، وهي عادة متأصلة في الكهول والشيوخ، ولا اود ان انفي وجوه القصور عن الماضي، وهي عادة راسخة في اليائسين من الحاضر. كل ما اود فعله هو ان ازعم ان اي مقارنة بين بغداد القديمة واي حاضرة عربية او اسلامية معاصرة لن تكون في صالح الحاضرة المعاصرة، فيما يخص ثقافة الثقافة، على اية حال..."

٭٭٭

رحمك الله يا أبا يارا...

ليت مثقفينا يؤمنون بـ (ثقافة الثقافة) و (ثقافة الحوار)...

هناك 6 تعليقات:

  1. سلام الله عليك أخي ناصر،،

    مفارقة مضحكة.. هذا كل ما أستطيع قوله، ربما نحن بحاجة إلى ورشة عمل ضخمة، لتلقين الكتاب/ كل الكتاب معنى احترام حرية التعبير، لأن الجميع هذه الأيام يدعي وصلا بها، لكنه ما أن "يتعثر" بأول مقال أو تدوينة هنا أو هناك مخالفة لوجهة نظره، حتى يفجر شلالات الجحيم على أصحابها، تارة بالتخوين ومرة بالتحقير وأخرى بالاتهامات المعلبة من مثل الرجعية والظلامية أو الانحلال والانحراف... قليل من ينتقد الفكرة، من ينتقد الأسلوب، من ينتقد المضمون.. لا أظن، هكذا نقاشات ستضيف شيئا سوى مزيد من الإنغلاق والتشدد والتطرف، أعني التطرف الذي لا هوية له ولا مبدأ..

    ردحذف
  2. عزيزي أحمد...
    عليك السلام ورحمة الله وبركاته...
    أنه شىء مضحك ومبكي في نفس الوقت...
    أتفق معك في كل ما قلته...
    أعجبتني فكرة مدونتك امتخصصة... سأكون متابعا...

    ردحذف
  3. سعيد الريامي2 سبتمبر 2010 في 3:31 ص

    مقال صالح الفهدي لا يعدو كونه خطبة يستعرض فيها قدراته اللغوية . لا أعتقد أن من الحكمة أن يُعطى أكبر مما يستحقه من الأهمية . شعرت وأناأقرأ المقال بأنني أقف في سوق عكاظ قبل 1500 سنة . كلام يقال ليبهر السامع ويطرب متذوقي اللغة ، لكنه هزيل المحتوى . ومع ذلك .. إذا كانت هناك من قضية تشغل بال صالح الفهدي فليفندها بطريقة علمية وبلغة تفهمها أجيال القرن الحادي والعشرين . لابد وأنه كتب أطروحته في جامعة "هل" بطريقة علمية أقنعت الفريق الذي ناقشه بأحقيته لنيل درجة الدكتوراه .. فلماذا استعمل الأسلوب الخطابي الممل في مقاله هذا . لا أرى لذلك أي سبب سوى الاستعراض وفرد العضلات اللغوية .

    ردحذف
  4. عزيزي سعيد الريامي...
    كما قلت مقال الفهدي لا يعدو سوى خطبة إستعراضية بلا أي مضمون فكري، وأنت على حق فلغتها ومضمونها عفا عليهما الزمن...
    أعتقد الخطر الحقيقي في الصحافة العمانية التي تنشر هذا النوع من ثقافة الكراهية وثقافة الإستعلاء...

    ردحذف
  5. أشكرك يا عزيزي منتظر على المرور...
    متشوق جدا للقراءة لك...

    ردحذف
  6. ناصر الحوسني
    ثقافة الاتجاه الواحد والشخص الواحد عند هذا الرجل .

    ردحذف

بحث هذه المدونة الإلكترونية