الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

رامبرانت و أشياء أخرى….



في الليلة الخمسين بعد الثلاثة آلاف، و في سريرهما الملكي استلقت شهرزاد بجانب شهريار و هي تقول له: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد، أنه في بلد يقال له عمان، أفتتح معرضا للفنان الهولندي رامبرانت الذي "أنشغل بالضؤ و أشتغل فيه طوال حياته" فأستحق عن جدارة لقب "عاشق الضؤ أو فنان الضؤ"، و لرامبرانت عشق آخر لضؤ آخر، و هو عشقه للفاتنة "ساسكيا" التي سرعان ما تزوجها لتصبح مصدر إلهام له، حتى بلغ الفنان أوج عظمته فنا و ثراء في حياتها، و بموت "ساسكيا" بدأ فن رامبرانت يخبو، و بدأت ثروته تنفد، حتى مات مفلسا في آخر حياته........

***

بالأمس(06-09-2009) ذهبت مع صديقي (ابن مسعود رضي الله عنه) إلى المعرض الذي أقامته مكتبة السالمي مشكورة للفنان العالمي الهولندي رامبرانت، في فندق حياة مسقط..... استمتعت كثيرا بتلك اللوحات الفنية الرائعة، و بطريقة ما قام رامبرانت بإرسالي عبر الزمان و المكان إلى عصره في القرن السابع عشر، بل إلى عصور سحيقة أخرى كعصر سيدنا إبراهيم عليه السلام، و ولديه إسماعيل و إسحاق ، و عصر النبي يعقوب بن إسحق......
كل لوحة من اللوحات المعروضة تحكي لك قصة في إطار من الفن الراقي يفيض بالحياة و الحركة...... لقد تحكم رامبرانت بالإضاءة في لوحاته حتى أنه ليخيل لك أن رسمته ما هي إلا صور ضوئية، أخذت في فترات مختلفة من الليل و النهار...... فترى أحيانا ليله ليلاء قاتمة الظلمة، أو ترى سطوع أشعة الشمس على الشخوص و الأجسام في اللوحة..... و أحيانا ترى هالة من النور تحيط بملاك أو نبي في مشهد غاية في الروعة......
تأسرك الأحداث التي تنطق بها لوحات رامبرانت المستوحاة من العهد القديم (التوراة) و العهد الجديد (الإنجيل) و التي كما يبدو للناظر كانت محط اهتمام الفنان و مصدر إلهام له......
ما زلت أذكر مشهد سيدنا إبراهيم عليه السلام و هو يهم بذبح سيدنا اسحق (إسماعيل في رواية أخرى) ، و الملاك يحاول منعه، بينما يقبع الذبح العظيم تحت أحد أجنحة الملاك..... و ما أجمل مشاهد المسيح الطفل و هو غاف في حضن أمه مريم البتول، و ما أفظع تلك اللوحات التي تصور مشاهد صلب المسيح (حسب اعتقاد الفنان) و التي تدل على حجم الظلم و المأساة.
أن لوحات رامبرانت تمثل تاريخا حيا، حافلا بزخم هائل من الشخصيات الدينية و التاريخية.

***

قالت شهرزاد و ابتسامة محبطة ترتسم على شفتيها : بلغني أيها الملك السعيد أنه رغم ذلك العالم الساحر الذي أبدعته أنامل الفنان ، أتى بعض السطحيين و نظروا إلى هذا الإبداع نظرة سطحية، و استنكروا أن تقوم مكتبه تحمل اسم عالم جليل كالإمام السالمي بعرض لوحات تحتوي على رسوم لبعض الشخصيات و الرموز الدينية، و أفتوا أن المعرض حرام.......
أولا: ألم يعلم هؤلاء السطحيين أن رامبرانت كان فنانا هولنديا عاش في القرن السبع عشر الميلادي و بالتالي هو مسيحي و طبيعي أن يتأثر فنه بالكتاب المقدس..... و هل رسم هذه الرموز الدينية هو حرام عند النصارى؟؟؟
ثانيا: ألم يسمع السطحيين بمصطلح "الفن للفن"، ألا يستطيعون الاستمتاع بالفن فقط و بدون إقحام الدين في الموضوع؟؟؟؟
ثالثا: هل يود السطحيين لو قام رمبرانت برسم فنا إسلاميا صرفا؟؟؟
أعزائي السطحيين، إن لم تكونوا تتذوقون الفن فلم تذهبون لمشاهدته أصلا.....
كم أشمئز من هذه الآراء الشاذة و المريضة..........
***
تنهدت شهرزاد بحسرة، و تثاءب شهريار بملل قائلا: : كانت بداية قصتك رائعة و مفعمة بالجمال، و لكن نهايتها مملة كنكتة انتهت صلاحيتها، أعتقد أنني سآمر السياف أن يطير عنقك الجميل غدا..
استدركت شهرزاد بسرعة: و لكن خبر معرض الفنان العالمي الهولندي رامبرانت ليس بأغرب من خبر المسلسل العماني" درايش" حيث أنه بلغني أيها الملك السعيد أن..... و هنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح................





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية