الاثنين، 7 ديسمبر 2009

سالِمْ...

لم يكن صديقي (سالم) شخصاً عادياً قط...

قطعاً كان يمتلك الكثير من صفات الأشخاص غير العاديين...

كان (سالم) مثقفاً، ووسيماً، وطويلاً، ويملكُ جسماً رياضياً متناسقاً، حرص على أن يبقيه كذلك عن طريق إتقانه لعدد كبير من الرياضات البرية والمائية.

أكثر ما يعجبني في (سالم)، أفكاره المتجددة التي لا تنتهي، والتي تثري حياتك ، وتنفض الملل عن روحك... كثيراً ما كان يتصل بي من داخل السلطنة أو من عواصم عالمية، ليطلب مني أن أعد حقيبتي لأن لديه خِطَّةً ما... كان (سالم) دائماً لديه خِطَّةً ما...

أكثر ما كان يجمعني بـ (سالم) هو تلك الروح القلقة التي لا تعرف الراحة أو الاستقرار، الظامئة للمعرفة وإلى شيءٍ ما... شيء لا ندري ما هو ولكننا يجب أن نبحث عنه...

وكعادة كل الأشخاص غير العاديين، كان لدى (سالم) عيبا صغيراً جداً قد لا يلاحظه أحد في وجود مزاياه العديدة... كان (سالم) يحرق شمعة حياته من الطرفين، كان (سالم) يعيش حياته بإفراط... كان يقرأ بإفراط، وكان يسافر بإفراط، وكان يحلم بإفراط، وكان يعشق - حين يعشق - أيضاً بإفراط...

التقيت به يوما بالمصادفة في (مدينة السلطان قابوس) فأصَّر على دعوتي لتناول القهوة في (كوستا كوفي).

٭٭٭

قال (سالم) وهو يضيف قِطْعتيْ سكر إلى فنجان القهوة أمامه:

"طبعا تَذْكُر (نوال)؟... نعم تلك الفتاة التي شاركتني التجارب في مختبر الفيزياء إبان دراستنا الجامعية"...

ومن لا يَذْكُر (نوال)؟!... تلك الفاتنة... تلك الحسناء الرقيقة... عندما ترى (نوال) للمرة الأولى، سيتبادر لذهنك شيئان: الجمال والبراءة... كانت (نوال) جميلة كما يجب أن يكون الجمال، وبريئة كأنها خُلِقَتْ منْ قبل أنْ تُخْلق جميع الآثام...

كان أكثر ما يسْحَرُني في (نوال) ملامحها المعبرة والتي تذوب رقة، فعندما تقلق فلامحها تعبر عن القلق ولا شيء سواه، وعندما تكتئب فملامحها تعبر عن الاكتئاب فقط، وعندما تبتسم تشعر أن ملامحها تنثر السعادة على من حولها، لذلك كان الحوار مع (نوال) تجربة شائقة وفريدة من نوعها فأنت تستطيع رؤية كل أنواع المشاعر على وجهها الرقيق... لو احترفت (نوال) التمثيل، لأصبحت من أعظم الممثلات في التاريخ...

كنتُ أعْلَمُ أيضاً أنَّ (سالم) يحمل الكثير من المشاعر لهذه الحسناء، ولكن مَنْ الذي رأى (نوال) ولمْ يقع في غرامها؟...

قال (سالم) وهو يرتشف قهوته:

"لقد رأيتُ (نوال) صباح أمس"...

٭٭٭

يا له من يوم...!! ويا لها من مفاجأة...!!

ليْتَ جميع الصَّباحات كهذا الصباح...!!

٭٭٭

هاتفي المحمول يرن فيأتيني صوت تلك الحسناء الرقيقة:

- صباح الورد... أين أنت؟؟

- صباح الياسمين يا حُلْوَتي... أنا في العمل.

- صبراً... سأتَّصل بعد قليل...

٭٭٭

هاتف الشركة يرن فيأتيني صوت فتاة البدالة:

- (سالم)... لديك زائر...!!

- ...(حمدان)؟؟

- لا... بل فتاة... تقول إنَّها قريبتك...

- حسنا... سآتي بعد قليل...

٭٭٭

أعيد التفكير لحظات... رباه!!... ماذا لو إنَّها هي؟؟

أمسك سماعة الهاتف، وأتَّصل بالبدالة:

- دعيها تأتي... سأكون في انتظارها...

٭٭٭

ونلتقي في ذلك الممر... رباه!!... ما أروعها!! وما أرقها!!... أيْ مفاجأة وأيْ صباح!!...

لم أصدق عيْنيَّ في البداية... فسألتها:

- أأنا أحْلُم؟؟

- أوَلَسْتَ الحَالِمُ الأبديْ؟!

- إنْ كان حلماً فأتمنى ألا أستيقظُ للأبد...

- أتيْتُ لأنكَ قُلتَ لي بأنْك إنْ لمْ تراني فسَتنْتحِرْ... فلمْ يعُد لكَ عُذْرٌ في الانتحار...

- لوْ كُنْتُ أعلم أنك ستأتين، لقلتها لكِ من البداية...

٭٭٭

ووقفنا... وحسنائي تنثر الورود والياسمين من حديقة ثغرها - رباه كم أعشقها... كم أحبها... - وأنا أحلم بالربيع، والزنابق، والعصافير... وصوتها الرقيق يحملني إلى غاباتٍ سحرية لم تخلق بعد، وعوالم خيالية لم يَزُرْها بشرٌ مِنْ قبل...

٭٭٭

وتمر علينا عاملة الهاتف - والتي دائما ما تطاردني بنظراتها - وعلى شفتيها ابتسامة خبيثة... فأقول في نفسي... سُحقاً لكِ... ما الذي تعرفينه عن حسنائي وعن حبي لها؟؟ حتى تبتسمين بخبثٍ هكذا...؟؟!!

٭٭٭

- سأرحل فهناك من ينتظرني... ولا أستطيع أنْ أتأخر...

- ألا تستطيعين البقاء قليلاً... فأنا لمْ أملأ ناظريَّ بوجهكِ بعد...؟؟

- يا لكَ من مخادع، ولكنك كنتَ تحدق في وجهي طوال الوقت!!...

- لقد كنتُ بعيداً... كنتُ أحْلُم...

- هذا هو قدرُنا أن نحلم... أوَ لمْ تقلها من قبل: "وكأنَّ الأقدار تسيرنا" ؟...

- بلى... هذا هو قدرُنا... وقدري أن أحُبكِ إلى أبد الآبدين...

٭٭٭

قال صديقي (سالم) منتشياً بالذكرى الجميلة:

"وتلومني على حبي لها بعد ذلك يا (ناصر)؟؟!!"...

تحاشيتُ النظر إليه، وتشاغلتُ بالنظر إلى هاتفي المحمول، ودخلت قائمة الرسائل لأفتح رسالة الوسائط التي استلمتها قبل سنوات وحرصت على نقلها من هاتف لآخر، تأملت الرسالة قليلاً، ثم ألتفتُ وقُلتُ له:

"صَدِّقْني يا صديقي العزيز... لنْ ألومكَ أبداً..."

ارتشفتُ قهوتي وتأملتُ الرسالةَ مرة أخرى وأنا أقول في سري:

"لنْ ألومكَ أبداً يا (سالم)... ولنْ ألومَ نفسي أيضاً..."

هناك 11 تعليقًا:

  1. بصراحة رائع هو السرد وقلمك الراقي في كتابة الموضوع


    لكني أعجب من المبالغة في وصفك للحسن والجمال ...لا أدري ربما أنا من تبالغ في التدقيق على كل حال يا أخ ناصر ليست صفة منبوذة إنما هي حالة استغراب أو وجهة نظر :) لا أكثر. أخي ناصر بإنتظار القادم وإلى الأمام تقبل فائق احترامي أختك :)

    ردحذف
  2. سلام الله .
    لا أدري أهي حقيقة أم سرد خيال يا ناصر؟!
    تمنيتُ لو لم تذكر أسماء حقيقية في القصة .

    روح العاطفة في قلمك تمتلك الكثير لتعبر به محطات حانية مغمورة بالحب والجمال .

    جدا رائعة روحك يا ناصر .
    القلم دائما يُفكر بصوت مسموع ، ويشي بالكثير من الأسرار.

    ننتظر الأجمل بمشيئة الله

    ردحذف
  3. رُبـمـا تكـونُ حقيقيّـة .. وربّمـا تكـونُ من نسْجِ الخيـال
    وفي كلتـا الحـالَتين فهِيَ جمـيلةٌ جِدَّاً ..
    فـأسـلوبُكَ أسكـنّنـا في الحَدثِ وأثّرَ فيَّ
    عُمـومـاً كمـا ذكَرْتُ لكَ سابِقـاً فإنَّ كـتاباتُكَ تروقُ لي كثيراً ..
    استمرّ يا عزيزي .. لتُمـتِعَنـا بقلمِك

    تحيّاتي

    ردحذف
  4. أود أن أترك للقارىء الكريم الحرية المطلقة لفهم هذا النص كما يشاء بدون أي تدخل مني... لكنني أؤمن أننا يجب أن ننظر للفن كفن... وليس إنعكاسا لحياة الفنان...

    ردحذف
  5. أنا بأمانه

    سافرت مع النص جدا ً

    :

    د خ ــون

    ردحذف
  6. دخــــون...
    ٍسعيد جدا أن راقت لك هذه التدوينة...
    فمن الواضح أنها لم ترق للكثيرين...
    أنا أحس أنها مختلفة تماما عن بقية مواضيع المدونة...
    أتمنى لو أعرف ما راق لك بالضبط..
    عموما أشكرك على المرور...

    ردحذف
  7. أتعلم يا ناصر
    /
    أتوقع أننا عندما نرغب ُ في كتابة ما يجول في خواطرنا
    سواء كان الموقف واقعا ً قد عشناه ام خيالا ً عايشناه بأرواحنا

    أتوقع اننا نكتبه بصدق

    وشفافيه
    /
    كُنت ْ أنت هنا ( تمتلك كل أبراج الشفافيه يا ناصر )

    وبأمانه

    راق لي الموضوع / بأطرافه الثلاثه

    جميل ٌ أنت في الطرح

    أحترامي

    د خ ـون

    ردحذف
  8. جميل جدا في سرد القصة!!

    ردحذف
  9. عزيزي شبح...
    أشكر لك تواجدك هنا وأنا سعيد أن راق لك ما قرأت...

    ردحذف
  10. مرحبا

    اعجبتني مقدمة القصة وكيف الدخول في الاحداث

    لكن السؤال الذي حيرني !!! من تزوج نوال في النهاية؟؟؟

    ردحذف

بحث هذه المدونة الإلكترونية