الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الأربعاء... والنَّهر المُتجمد...


صباح الورد يا أصدقائي الأعزاء... الأربعاء ونهاية هذا الأسبوع المتعب والمرهق والبائس والذي وددت لو أنّه طال قليلا لأنجز كل ما خططت لإنجازة... الأربعاء والذي إخترته ليكون اليوم المنشود لتسليم مخططات ومواصفات أحد المشاريع الهندسية التي أقوم بتصميمها، ولكن مازال الأربعاء طفلا يا أصدقاء ونستطيع إنجاز الكثير...

إلى كل محبي ليالي الشتاء الساحرة وأنا منهم، و إلى كل من تعطّلت سخاناتهم وأضطروا للإستحمام بمياة باردة هذا الصباح وأنا منهم، وإلى كل المتعبين من هذا الأسبوع الشاق ويحلمون ببعض الراحة والسلام الأسبوع القادم وأنا كذلك منهم، وإلى جميع من يجترّون ذكريات الماضي الجميلة والتي لن تعود أبدأ وأنا لستُ منهم، أهدي قصيدة "النهر المتجمد" للمفكر والشاعر والقاص الكبير "ميخائيل نُعيمة"، والذي كتبها إبان دراسته للأدب الروسي في أوكرانيا، حيث كان الشاعر يشعر بالغربة ويحن إلى حضن الوطن الدافىء وإلى أيام الشباب الجميلة التي لن تعود، فيخاطب الشاعر النهر المتجمد ويشبه نفسه به، غير أن النهر المتجمد سرعان ما يذوب ويعود شابا يجري بين الحقول، بينما من المستحيل أن يعود شباب الشاعر ومن المستحيل أن تعود ذكرياته الجميلة مرة أخرى...

مرت أكثر من خمسة عشر عاما منذ قرأت هذه القصيدة لأول مرة ولكنها لا تزال عالقة بالذاكرة...

أتمنى أن تستمتعوا بقرائتها يا أصدقائي...

٭٭٭

يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟

أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟

بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور

تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور

بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق

واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق

بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي

واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي

بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي

تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !

ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد

قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟

ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال

يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال

والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ

لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ

تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا

فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى

وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء

جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء

لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع

فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع

وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار

حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار

وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم

وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم

والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن

والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن

والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن

ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن

وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب

فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب

قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج

حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج

قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل

واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل

فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها

وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها

سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء

سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء

نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد

فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد

وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ

وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ

يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا

والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الاحترار العالمي ومستقبل الطاقة المتجددة...


غارقا في العمل وسط خرائطي، وأوراقي، وحساباتي، وأنا منهمك في تصميم الخدمات الميكانيكية لذلك المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي سيكون وحشا يمتص الطاقة الكهربائية إمتصاصا، بعد أن فشلت في إقناع المالك بتبني نظام تكييف عالي الكفاءة، ولكنه عالي التكلِّفة المبدئية نوعا ما، أتذكر مجموعة من المعلومات والمقالات - التي إطلعت عليها بحكم عملي كمصمم لأنظمة التكييف والتهوية - حول موضوعيْ الاحترار العالمي (Global Warming) والطاقة المتجددة (Renewable Energy)...

٭٭٭

كثر الحديث في الأعوام القليلة الماضية عن ظاهرة الاحترار العالمي ككارثة بيئية مستقبلية تؤدي إلى تغير المناخ نتيجة أنبعاث الغازات الدفيئة، كما كثر الحديث عن محاولة العلماء إيجاد حلول ناجحة لهذه المشكلة البيئية وتتلخص في معظمها حول محاولة التقليل من إنبعاث الغازات الدفيئة عن طريق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة كمساقط المياه، والرياح، وأشعة الشمس، ومحاولة تصميم المدن التي تخلوا تماما من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون...

ونستطيع القول أن موضوع الاحترار العالمي هو موضوع الساعة الآن، لما له من تأثير مباشر على جميع الكائنات الحية على كوكب الأرض، بل على وجود الأنسان ذاته، مما يستدعي أن نفكر في حلول جذرية كأستعمال مصادر الطاقة المتجدة للتقليل من أنبعاث الغازات الدفيئة المسببة لهذه الظاهرة، وهناك قلق كبير لدى معظم الحكومات والمؤسسات العلمية أن ظاهرة الاحترار العالمي ستؤدي لتغيرات مناخية لا يمكن عكسها أو أصلاحها مستقبلا، فمثلا أرتفاع درجة الحرارة يؤدي لذوبان الثلوج في القطبين مما يؤدي لأرتفاع مستوى سطح البحر وغرق الأراضي الساحلية، وربما لا نستطيع عكس هذا التأثير مستقبلا...

قد يقول قائل: ولكن ما الذي يضيرنا – ونحن نملك في عُمان الكثير من الأراضي غير المأهولة - إن غمر البحر أراضي بعض الدول وخصوصا دول العالم الغربي الصناعي التي تساهم بشكل كبير في أطلاق الغازات الدفيئة والمتسببة في الاحترار العالمي؟

قد يبدو السؤال مستفزا بعض الشىء ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالمشكلة أصبحت عالمية، فظاهرة تغير المناخ بفعل الاحترار العالمي باتت تشكل تحديا وتهديدا للبشرية، حيث أنها ستتسبب بكوارث مناخية واقتصادية واجتماعية حول الكرة الأرضية وسأذكر الظواهر التالية على سبيل المثال لا الحصر حتى ندرك أبعاد هذه الكارثة البيئية: ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تواتر وشدة موجات الحر والفيضانات والجفاف، وقد تكون هناك أيضاً عواقب خطيرة مباشرة على صحة الإنسان، وأبرز هذه العواقب ارتفاع معدلات المرض والوفاة نتيجة لموجات الحر، والفيضانات، والجفاف، وفي بعض البلدان الأفريقية على سبيل المثال قد تنحدر إنتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى 50% بحلول عام 2020 مما يهدد ملايين البشر بالموت جوعا، كما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة ندرة المياه، والدول الصغيرة القائمة على جزر كجزر المالديف، أصبحت أيضاً معرضة للخطر الشديد من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد بمشكلة عالمية سببها ملايين اللاجئين البيئيين، أيضا لاحظ العلماء مؤخرا تغير أنماط التيارات البحرية، ومن أشهر التيارات البحرية ما يسمى بـ "تيار الخليج" الذي يتحرك من المحيط الأطلسي شمالا بين جزيرتي جرينلاند وبريطانيا حتى شمال أوروبا، والذي يؤمن لأوروبا مناخا معتدلا نسبيا، وإذا توقف هذا التيار البحري فأن شمال أوروبا سيعاني من عصر جليدي آخر، أيضا العواصف المدارية في المحيط الهندي ستكون أكثر تواترا مما يهدد بعض الدول المطلة على هذا المحيط (مثل سلطنة عمان) بتواتر "الأنواء المناخية" في فترات قصيرة نسبيا.

قد يجادل آخر قائلا: ولكن ما نسبة ما ننتجة في سلطنة عُمان سنويا من الغازات الدفيئة مقارنة بما تنتجة الولايات المتحدة - على سبيل المثال - سنويا؟ لا أعتقد أن هناك وجها للمقارنة، وبالتالي تقليلنا لأنبعاث الغازات الدفيئة لا أعتقد أنه يحدث فرقا...

وأقول بأن إنتاج الغازات الدفيئة يقاس أحيانا بالنسبة لعدد السكان، ولو قارنا إنتاج الغازات الدفيئة في سلطنة عُمان بالنسبة لعدد السكان، لوجدناه أكبر من أنتاج الولايات المتحدة بالنسبة لعدد السكان، وهذا نتيجة طبيعية لرخص أسعار الوقود والطاقة الكهربائية في هذا الجزء من العالم مقارنة بدول أوروبا وأمريكا، وعدم إستعمال مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وأيضا عدم تصميم المباني بطريقة تجعلها تستهلك طاقة أقل في عمليات التكييف والتهوية والإضاءة...

أتذكر مقالا قرأته في احدى الدوريات المتخصصة في هندسة التكييف والتبريد التي تصدرها الجمعية الأمريكية لهندسة التدفئة والتكييف والتبريد (ASHRAE) بعنوان "الأبراج الخاطئة: جميلة ولكن ليست جيدة"، يتحدث فيه الكاتب عن مبنى برج العرب الشهير في دبي، وكيف أنه يُعتبر من أجمل المباني في العالم، ولكنه يستهلك الكثير من الطاقة لتكييفه وتهويته، الأمر الذي كان يمكن تجنبه تماما عن طريق تصميمه بطريقة صديقة للبيئة تجعله يستهلك طاقة أقل بكثير...

ولكن دعونا نتسائل عن أهمية البحث عن مصادر بديلة للطاقة بالنسبة لدول مصدرة للنفط والغاز كدول الخليج العربي؟

أعتقد أن جميع الدول - بترولية أو غير بترولية - ستستفيد من الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، فالدول البترولية تستطيع الاستفادة من بترولها لمدى أطول، أو تصديره عوضا عن استهلاكه محليا لتوليد الطاقة الكهربائية، أما الدول غير البترولية فستستفيد عن طريق وجود مصدر بديل للطاقة مما يوفر عليها الأموال اللازمة لاستيراد النفط، كما أن النفط والغاز مصدران غير متجددان وسيأتي يوم ما وسينفدان، ولابد أن تستعد الدول البترولية - وخصوصا دول الخليج العربي - لهذا اليوم...

وبمناسبة الحديث عن هذه النقطة فبالرغم أن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة نفطية، وتمتلك احتياطات نفطية كبيرة إلا أنها تسعى بجد واجتهاد إلى إيجاد مصادر بديلة ودائمة للطاقة وذلك حفاظا على صحة الإنسان، وحماية للبيئة، وللحصول على الطاقة النظيفة بأسعار أقل بكثير من أسعار النفط والغاز الحالية...

أيضا تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا بإنشاء مدينة (مصدر) بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، وستكون هذه المدينة خالية تماما من الكربون (Carbon Free)، وبلا إي انبعاث للغازات الدفيئة المسببة للإحترار العالمي، كما قامت الإمارات بإنشاء "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا"، حيث يعتبر كجامعة مستقلة للأبحاث المتخصصة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة...

هناك خيار آخر أمام الدول الخليجية إذا ما رغبت بتقليل اعتمادها على النفط والغاز كمصدرين وحيدين للطاقة وبالتالي الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، أَلا وهو الطاقة الذرية، كما هو التوجه لدى بعض الدول الخليجية ومنها سلطنة عُمان، إلا أنَّ الطاقة الذرية غالية، ومكلفة، وإلى الآن لا يوجد حل جذري وآمن للتخلص من النفايات النووية، كما أنَّ استعمال طاقة الرياح يعتبر أقل تكلفة من الطاقة النووية، شريطة أنْ يكون هناك رياح كافية بالطبع...

وكمثال عن مشاريع الطاقة المتجددة في عالمنا العربي، تعتبر التجربة المصرية تجربة سبَّاقة في مجال الطاقة المتجددة، حيث استثمرت مصر الكثير من المال في مشروع ضخم في الصحراء الغربية لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق قوة الرياح باستعمال التربينات الهوائية، حيث يُتوقع أن يصل إنتاج هذا المشروع إلى 20% من الاحتياجات المصرية المحلية للكهرباء بحلول عام 2020 (يتضمن هذا الرقم أيضا بعض الطاقة التي سيتم توليدها عن طريق الطاقة الشمسية والمياه).

من الضروري أن نتبنى حلولا صديقة للبيئة ونحن نصمم مبانينا ومدننا ومنشآتنا، ومن الضروري أن يكون لدينا إستراتيجية واضحة تهدف إلى إنتاج طاقة نظيفة بنسبة معينة من أجمالي استهلاكنا للكهرباء، ومن الضروري أن نبدأ الآن في الأستثمار في مجال الطاقة المتجددة ما دمنا نملك المال اللازم، فأستثمارنا في هذا المجال سيزودنا بالتكنولوجيا والخبرات اللازمة - والتي ستتراكم مع مرور الوقت - والتي قد نصدرها يوما ما لدول أخرى، كما نصدر الآن النفط والغاز لدول العالم، وإلا فأنني أعتقد انه لو نفد النفط والغاز لرجعنا سنوات إلى الوراء، ولما وجدت مدننا الطاقة اللازمة لإنارتها...

٭٭٭

أفقت من خواطري وذكرياتي وأنا أتأمل خرائط المبنى ذي الأدوار التسعة، والذي فشلت في أن أصمم أنظمته الميكانيكية بحيث أجعل منه صديقا للبيئة، ونجحت بأن أجعل منه وحشا شرها يمتص الطاقة الكهربائية، ويمتص مناخنا، بل أنه يمتص حياتنا ومستقبلنا ذاته...

٭٭٭

بحث هذه المدونة الإلكترونية